الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } * { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

{ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكمُ } اسم فعل فاعله مستتر وجوباً مع الواحد والمذكر وغيرهما، وشهداء مفعول به لأَنه متعد بمعنى احضروا أَو هاتوا أَو قربوا بفتح الهمزة وكسر الضاد، ويكون أَيضاً لازما كقوله تعالى هلم إِلينا، وهى كلمة واحدة بسيطة مبنية على الفتح فى هذه اللغة وهى لغة الحجاز { الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أنَّ الله حَرَّمَ هَذَا } أَى الذى حرمتموه تقليداً لهم، فإِنهم إِن حضروا لم يجدوا حجة وانقطعوا وهم شهداء معهودون كما أَضافهم إِلى هؤلاء لملابسة أَن الشهادة منهم هؤلاءِ { فَإِن شَهِدُوا } أَى شهد بالتحريم المشركون المطلوبون بإِحضار الشهداء إِعراضاً عن الإِحصار لهم أَو شهد الشهداء المطلوب إِحضارهم بالتحريم بعد إِحضارهم { فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } بالتحريم ولو جاءُوا بكل ما جاءوا به من حجج لأَنها باطلة مزيفة، أَو المعنى لا تسكت بل بين لهم فاسد ما جاءوا به فسمى على هذا سكوته شهادة منه لأَنها تتوهم من السكوت فهو سبب لتوهمها منه فيكون مجازاً مرسلا بواسطة الدعوى والتوهم، أَو سمى التسليم ولو بالسكوت شهادة لأَنها من لوازمه أَو استعار الشهادة للسكوت واشتق من الشهادة بمعنى السكوت، شهد بمعنى سكت أَو سمى السكوت عن ا لرد شهادة لمشاكلة قوله فإِن شهدوا، وكل ذلك جواب عما يقال كيف ينهاه عن الشهادة فانها لا تتوهم منه، ويبعد أَن يقال الخطاب للشمول البدلى الصالح لمن يمكن منه ذلك، لأَنه ينافيه قوله تعالى: قل تعالوا أَتل فإِنه له صلى الله عليه وسلم وكذا ما قيل { وَلاَ تَتَّبِعْ } يا محمد وقيل الخطاب للعموم البدلى { أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } أَى القرآن والمعجزات وهم المطلوبون باحضار الشهداء أَو الشهداء، ومقتضى الظاهر ولا تتبعهم لكن أَظهر ليبين أَنهم اتبعوا الهوى وأَن مكذب الآيات لا يكون إِلا متبعاً للهوى، ومفهومه أَن متبع الحجة لا يكون إِلا مصدقاً بها فإِن وقعت منهم شهادة بالتحريم، فإِنما هى اتباع الهوى { وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنونَ بِالآخِرَةِ } بالبعث والحساب والجنة والنار وقيل الذين كذبوا بآياتنا اليهود والذين لا يؤمنون بالآخرة المشركون { وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُون } يسوون الأَصنام فى العبادة بربهم سبحانه وتعالى ولا شئ من العبادة لغير الله، والمعنى يجعلون له عديلا، كقوله تعالى هم به مشركون أَو يميلون بعبادتهم عنه أَو بأَفعاله إِلى غيره بنسبتها إِلى غيره، والجملة على صلة الذين أَو حال، وكل هؤلاء قوم واحد نزل تغاير الصفة منزلة تغاير الذات فعطف الذين على الذين، وكأَنه لا تتبع هؤلاء الجامعين بين التكذيب بالآيات وانتفاء الإِيمان بالآخرة وإِثبات العديل لله جل وعلا، وكأَنهم لما أَعجزهم قالوا فأَى شئ حرم الله فنزل قوله تعالى:

{ قُلْ تَعَالَوْا } وأَصل تعال الأَمر بمعالجة الصعود من أَسفل إِلى أَعلى حسا ثم استعمل فى مطلق الأَمر بالإِقبال ولو من أَعلى إِلى أَسفل أَو فى المعقول، وذلك استعمال للمقيد فى المطلق أَو للخاص فى العام أَو صار حقيقة عرفية عامة فى مطلق طلب الإِقبال، ولا ضعف فى أَن يقال شبه كونهم فى الجهل بكون الإِنسان فى كل مكان أَسفل حسا وكونه صلى الله عليه وسلم على الحق، بكونه فى موضع عال فاستعار لهم ما يناسب ذلك وهو اللفظ الموضوع للأَمر بالصعود من موضع أَسفل إِلى عال، ولا أَسلم أَن الترقى إِلى ذروة العلم غير معلوم، وفى الاية تعريض بأَنهم فى حضيض، وهو فعل أَمر وفاعل وهو تفاعل من العلو { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ } أَتل مضارع للمتكلم مجزوم بحذف الواو، أَى أقرأَ ما حرم وأَقرأَ للمتكلم وما اسم موصول، أَى أَتل الأَشياءَ التى حرمها، أَو نكرة موصوفة أَى أَشياءَ حرمها، ويضعف أَن تكون مصدرية أَى أَتل تحريم ربكم، لأَنه إِما أن يؤول المصدر بالمفعول فيعنى جعلها اسماً موصولا أَو اسماً موصوفاً، وإِما أَن يراد أَتل عليكم دال التحريم، أَى ما يدل عليه وهو الأَلفاظ وهو تأويل، إِلا أَنه لا مانع من أَن يقال الكلام بما هو محرم، تحريم له إِذا أُريد به التحريم ولا تكلف فيه، ويجوز أَن تكون استفهامية فحينئذ لا تكون منصوبة بأَتل بل بحرم، وحينئذ جملة حرم إِلخ مفعول لأَتل معلق بالاستفهام على تضمين أَتل معنى التعليم أَى أعلمكم أَى شئ حرم ربكم والآية من أسلوب المتكلم الحكيم بالإِضافة أَو من الأسلوب الحكيم بوصف الأسلوب بالحكمة وذلك أَن يعرض عما أَراد الخصم إِلى ما هو له أَحق، وهو هنا ما يقتضى الحال بيانه { عَلَيْكُمُ } تنازعه أَتل وحرم لأَن المعنى أَتل عليكم وحرمه عليكم وتعليقه بحرم أَنسب بمقام الاعتناء بايجاب الانتهاء عن المحرمات { أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً } أن ناصبة ولا نافية، والمصدر بدل أَو بيان من ما أو من عائدها المحذوف، ولكن البدل والبيان من عائدها على زيادة لا، وذلك أَنه لا يحرم انتفاء الإِشراك بل يحرم الإِشراك، الأَصل عدم الزيادة ولك جعل عليكم اسم فعل، فيكون مصدر أَن لا تشرك مفعولا لعليكم، أَى الزموا انتفاء الإِشراك، ويجوز كون أَن لا تشركوا خبراً لمحذوف أَى المتلو انتفاء الإِشراك، ويجوز المحرم الإِشراك على زيادة لا أَو يقدر حرف التعليل ويعلق بأَتل أَى أَتل لئلا تشركوا، أَو يقدر أوصيكم أَن لا تشركوا أَو مبتدأ خبره عليكم أَى عليكم انتفاء الإِشراك به، ويجوز أَن تكون أَن مفسرة للتحريم لأَن فيه معنى القول دون حروفه ولا ناهية، ويناسبه عطف الأَمر والنهى بعده إِلى قوله أَوفوا، عطف إِنشاء على إِنشاء، بخلاف ما إِذا جعلناها نافية فيوجه بتأويل الخبر بالطلب، أَو يعطف على الإِخبار ولا يخلو القرآن من ذلك وعكسه، والمراد بشئ من الأَصنام فهو مفعول به أَو الإشراك فهو مفعول مطلق، واعلم أَنه تقدم التحريم فدخلت الأَوامر بعده والنواهى واشتركن فى الدخول تحت حكمه، والتحريم راجع إِلى أَضدادها وهى الإِساءة إِلى الوالدين وبخس المكيال والميزان وترك العدل فى القول ونكث العهد، ويجوز تقدير أتل ما حرم ربكم عليكم وما أَمركم به فإِن ما بعد ذلك تفسير التحريم المذكور والأَمر المحذوف، ويجوز العطف على أَتل وهذه أَحكام عشرة تعم الأَعصار والأُمم ولا تنسخ، من عمل بهن سعد ومن خالف شقى، وعن كعب الأَحبار: والذى نفس كعب بيده أَن هذه الايات لأَول شئ فى التوراة بسم الله الرحمن الرحيم قل تعالوا.

السابقالتالي
2 3 4