الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ }

{ وَجَعَلُوا لِلهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ } مع أَنها لا تقدر على شئ من فلق الحب أَو غيره مما ذكر، والجن مفعول أَول وشركاءَ مفعول ثان، ولله يتعلق بجعلوا أَو مفعول ثان وشركاءَ أَول، والجن بدل أَو بيان، أو لله يتعلق بشركاءَ أَو حال منه، والجن الملائكة، من المشركين من يعبد الملائكة ويسمونهم بنات الله، ويقولون أَنهم مدبرون أَمر هذا العالم، ويسمونهم جنا لاستتارهم أَو تحقيراً لشأنهم كما تستتر الأَنثى، أَو الجن الشياطين لأَنها تأمرهم بالشرك والمعاصى فيطيعونها كما يطاع الله، أَو عبدوا الأَوثان بإِغوائهم، أَو قالوا الشيطان الذى هو إِبليس خلق الشر والظلمة وكل ضار كالعقارب والحيات، والله خالق للخيور والمنافع { وَخَلَقَهُمْ } حال مقرونة بالواو بلا تقدير لقد، وقيل لا بد من تقديرها فى الماضى المتصل المثبت المقرون بواو الحال، والمعنى أَنهم جعلوا لله شركاءَ الجن والحال أَنه خلقهم هو لا الجن، كيف يجعلون المخلوق شريكاً لخالقه، أَو والحال أَنهم عالمون بأَن الله خلقهم والمشركون عالمون بأَن الله خلقهم كما علموا أَن الله خلق السماوات والأَرض،ولئن سأَلتهم من خلق السماوات } [الزخرف: 9] إِلخ، والهاء للجاعلين أَو للجن، أَى وقد علموا أَن الجن خلقهم الله كما خلق السماوات والأَرض والمخلوق لا يكون خالقاً، أَو نزل تمكنهم من العلم بأَن ما سوى الله مخلوق لله منزلة العلم لقوة أَدلته، والخرق قطع الشئ بلا مبالاة به، أَو على قصد الفساد، والخلق جعل الشئ بتقدير ورفق، والواو فى جعلوا، والهاء فى خلقهم والواو فى قوله { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بَغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ } للمشركين مطلقاً، فيكون على التوزيع، فمشركو العرب قالوا: الملائكة بنات الله، وكذا بعض النصارى على ما ذكر فى بعض الكتب، واليهود والنصارى نسبوا إِليه البنين فقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله، وقيل: الهاءَ فى خلقهم للجاعلين والضمائر بعد لليهود والنصارى، وفيه تفكيك الضمائر، وإِنما قال بنين مع أَن مدعاهم اثنان فقط عزير وعيسى أِطلاقاً للجمع على الاثنين مجازاً على الصحيح، أَو حقيقة، ولأَن إِثبات الولد ولو واحداً فقط أَو اثنين فقط إِثبات لجواز مالا يحصى من الأَولاد، بل من أَجاز مالا يجوز ولو لم يقل بوقوعه فهو فى حكم من قال بوقوعه، أَو عاب الله عليهم قولهم:نحن أَبناء الله } [المائدة: 18]؛ لأَنه لفظ سوء ولو أَرادوا به المكانة لا حقيقة البنوة، وكانوا يسمعون من آبائهم الأَب والابن بمعنى المؤثر والمؤثَّر ولم يعلموا مرادهم فحملوا اللفظ على ظاهره، ومعنى خرقوا بالشد للمبالغة أَو للتكثير أَثبتوا بالكذب، وهذا أَولى من جعله استعارة من خرق الثوب بمعنى شقة، أَى شقوا له بنين إِلخ. ومعنى بغير علم أَنهم أَثبتوا البنوة لله سبحانه وهم عالمون بأَنه لا علم لهم بذلك، أَو بغير علم بحقيقة ما قالوا من خطأ أَو صواب ولا دليل، أَو بغير علم بقبح ما قالوا غاية القبح وهو حال من الواو أَى ثابتين بغير علم، أَو نعت المصدر، أَى خرقوا تخريقاً ثابتاً بغير علم، ومعنى سبحانه تنزيهاً له عما يصفون، أَى عن وصفهم له بأن له شريكاً، وبأَن له ولداً. ومعنى تعالى ترفع عن وصفهم له بذلك، فما مصدرية وسبحانه وتعالى متنازعان فى قوله { عما يصفون }.