الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } * { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ }

{ لأَنْتُمْ } أيها المؤمنون { أشَدُّ رَهْبَةً } إِرهابا فهو اسم مصدر فالرهبة فعل للمؤمنين لأَنه بمعنى الإِرهاب الذى هو مصدر من المبنى للفاعل ويجوز أن يكون مصدرا من المبنى للمفعول الثلاثى لأَن المؤمنين مرهوبون لا راهبون { فِي صُدُورِهِم } صدور اليهود أو المنافقين أو الفريقين { مِنَ اللهِ } أى إِرهابكم إِياهم أشد عندهم من إِرهاب الله لهم أو رهبتهم منكم أشد مما يظهرونه لكم من رهبة الله عز وجل، وكانوا يظهرون لهم رهبة شديدة من الله عز وجل، واعلم أن تقديم عزة الله على جلاله أولى لتقدمها فى الحديث القدسى، كما مر فى قوله تعالى: وعزتى وجلالى، ولم يقل وجلالى وعزتى، والأَولى أن المعنى تخيفونهم أكثر مما يخيفهم الله عز وجل عندهم، أو يخافونكم أشد مما يخافون الله عز وجل، وفى ذكر الصدر مع أن الخوف لا يكون إِلا منه مبالغة كقولك: هذا ما كتبته بيدى، وهذا مما رأيته بعينى وهذا مما سمعته بأُذنى.

{ ذَلِكَ } المذكور من كونكم أشد إِرهابا لهم من الله عندهم أو كونهم أشد لكم رهبة منه تعالى { بِأَنَّهُمْ } بسبب أنهم { قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } عظمة الله عز وجل فلم يخشوه حق خشيته، { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ } أى اليهود أو هم والمنافقون فبهذا ضعف ودهاء صدورهم إِلى المنافقين وحدهم { جَمِيعًا } حال من الواو لا من الكاف، أى لا يقدرون على قتالكم مع أنهم مجتمعون { إِلاَّ فِي قُرًى } حال، أى إِلا فى حال أنهم فى قرى أو متعلق بيقاتل، أى لا يستعملون إِليكم إِلا فى قرى وخوفهم شديد بحيث يصدق عليهم قول المتنبى:
وضاقت الأَرض حتى صار هاربهم   إِذا رأى غير شئ ظنه رجلا
وقول بعض:
ما زلت تحسب كل شئ بعدهم   خيلا تكر عليهم ورجالا
{ مُحَصَّنَةٍ أوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ } فكيف يقاتلونكم غير مجتمعين أو فى غير قرى أو فى قرى غير محصنة لقذف الله عز وجل الرعب فى قلوبهم ومزيد رهبتهم والتحصين بالخنادق والدروب والشوك ونحو ذلك، والجدر الحيطان أو جذوع النخل القائمات فإِن النخل مما يستتر به.

{ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } إِذا تقاتلوا ولكن خوفهم الله عز وجل منكم، والجملة مستأنفة أو حال وبين متعلق بشديد قدم للحصر والفاصلة، أو حال من ضمير شديد { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا } مجتمعين بقلوبهم ذوى أُلفة واتحاد { وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى } متفرقة لا أُلفة بينهم لعداوة وحقد بينهم فليسوا يقاتلونكم بيد واحدة ففيهم ضعف وافتراق فلا تخافوهم، فكأَنكم تقاتلون عدداً أقل مما ترون من عددهم، وكأَنه فيهم من يعينكم لتعاديهم فيما بينهم، وهذا تجسير للمؤمنين عليهم والجملة حال من ضمير تحسب والربط بواو الحال أو من الهاء والربط بواو الحال والضمير، وشتى جمع شتيت وألفه للتأَنيث، وقيل المراد أن دين المنافقين وآراءَهم يخالف دين اليهود وآراءهم.

السابقالتالي
2 3 4