الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم } قال محمد بن الحنفية قال البراء بن عازب لعلى بن أبى طالب: أسأَلك بالله إِلا ما خصصتنى بأَفضل ما خصك به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما خصه به جبريل مما بعث به الرحمن عز وجل. قال: يا براء إِذا أردت أن تدعو الله باسمه الأَعظم فاقرأ من أول الحديد عشر آيات وآخر الحشر ثم قل يا من هو هكذا أو ليس شئ هكذا غيره أسأَلك أن تفعل لى كذا وكذا، فوالله يا براء لو دعوت علىَّ لخسف بى { سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } ما واقعه على ما فيهما من العقلاء وغيرها من الحيوانات والجمادات وأجزاء السماوات والأَرض، والتسبيح بمعنى الخضوع فى الكل أو بمعنى النطق بالتنزيه فى الكل بأَن يخلق الله لما لا نطق له نطقاً لا يسمع وقد أثبتت الصوفية للجمادات النفوس الناطقة، وإن من شئ إِلا يسبح بحمده، أو تسبيح الحيوان بالنطق والجماد بقصد يخلقه له فيه أو بالخضوع له بأَن يتصرف فيها بما يشاء فيكون جمعاً بين الحقيقة والمجاز أو من عموم المجاز باعتبار الخضوع أو التعظيم والكل راجع إِلى تنزيه الله عما لا يجوز فى حقه اعتقادا وقولا وعملا، ويقال سبح فى الأَرض زيد أو الماء بالتخفيف بمعنى ذهب فيها وأبعد وشدد للمبالغة وقيل للتعدية بمعنى الحمل على قول لا إِله إِلا الله وهو خلاف المتبادر وقيل ما للعقلاء هنا خاصة كما استعملت للعالم سبحانه وحده فى قولهم: سبحان ما سبح الرعد بحمده، والعموم أولى وعلى كل حال هى عامة بلا تقدير لفظ آخر فى قوله: والأَرض هكذا وما فى الأَرض والتسبيح متعد فاللام للتأْكيد كنصحته ونصحت له وشكرته وشكرت له أو للتعليل على أن الفعل منزل منزلة اللام لا يعتبر له تعلق بالمفعول فيكون المعنى إِيقاع التسبيح لأَجل الله عز وجل أو إِيقاع التسبيح لله عز وجل كما تقول فعلت لزيد كذا بمعنى النفع له تعالى الله عز وجل، وكان فى بعض السور سبح، وفى بعضها يسبح إِيذاناً بأَن الله أهل لأَن يسبحه خلقه فى الماضى والحال والمستقبل، وخلقه حقيق أن يسبحوه كذلك والمضارع للاستمرار أو الماضى باعتبار ما مضى إِلى وقت النزول والمضارع من حين النزول على الاستمرار فعم، وأيضاً كان بعض بالأَمر وبعض بالمعنى المصدرى وهو سبحان، ففى أول سورة الإِسراء التسبيح باسم المصدر، وفى أول سورة الأَعلى بفعل الأَمر وفى أول بعض بالماضى وفى بعضه بالمضارع فقد استوعب التسبيح هذه الجهات كلها من الكلمة، كما أن الخلق من حين إِخراجه من العدم يسبح الله قولا وفعلا واعتقادا وطوعا وكرها { وَهُوَ الْعَزِيزُ } الغالب الذى لا يرد ما أراد أو قال أو فعل { الْحَكِيمُ } لا يفعل إِلا ما هو صواب { لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } إِيجاداً وإِعداما وإِبقاء بكل ما أراد من التصرف { يُحْيِي وَيُمِيتُ } استئناف ولا غرض للفعلين فى المفعول به فهما لازمان فى الآية أى يفعل الإِحياء والإِماتة { وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ } من الأَجسام والأَعراض والجواهر { قَدِيرٌ } عظيم القدرة يوجده ويتصرف فيه بما أراد { هُوَ الأَوَّلُ } وحده لم يسبقه شئ ولم يكن معه شئ بلا أول فأَخطأَ من قال صفاته غيره، قديمة معه ومن قال لم يزل يخلق الأَشياء فيبقى ما يبقى ويفنى ما يفنى والزمان حادث فالله عز وجل متقدم عليه { وَالآخِرُ } الباقى بعد الإِحياء ودوام المخلوق غير ممنوع والممنوع قدمه فبعض الأَجسام تبقى ولا تتلاشى وتبعث وتدوم فى الجنة أو النار والجنة والنار حادثتان وهما دائمتان مع ما فيهما، وإِن شئت فكل مخلوق ولو فى حال استمرار معدوم بمعنى الصلوح للعدم، أو الأَول تبتدئ منه الأَسباب، بخلقه لها والآخر ذهنا بحسب التعقل، من حيث أن الصنعة تدل على الصانع كما يقال ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله بعده، وإِن شئت فقل إِلا رأيت الله معه وذلك أنه يستدل بالموجود على الموجد تعالى، وبالصنعة على الصانع ومعنى أنَّ الله موجود أنا نعتقد وجوده وكذا غيره، وإِن شئت فقل فى غيره موجد بضم الميم وفتح الجيم، ولا تناقض فى أنه أول وآخر معاً لاختلاف متعلقى الأَولية والآخرية كما مر هنا ومن ذلك أنك تعرف وجوده بأَفعاله أولا، وكل معرفة تحصل فهى مرقاة إِلى معرفته ولا تنتهى إِلا إِليه وفسر بعضهم الآية بهذا وأنا أعوذ بالله عز وجل أن أفسر القرآن بما هو تصوف وبالأُمور البعيدة، ولو كنت قد أذكر ذلك حكاية.

السابقالتالي
2 3