الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ }

{ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } الفاء لترتيب التوبيخ على كفران ما ذكر من النعم وصنوف الأَنعام، وكل ما ذكر مثل هذه الجملة فترتيب على ما اتصل به فلا تكرير فى ذلك، ولو كان تكريرا لكان بلا فاء بل مجردا أو بالواو لا بالفاء المبنية على ما قبلها، وذلك كقولك لعبدك: ألا تطيعنى وقد ألبستك، ألا تطيعنى وقد زوجتك، ألا تطيعنى وقد خففت عنك الخدمة، ألا ألا، وقولك لمن أنعمت عليه مرارا وكفر النعمة: ألم تكن فقيرا فأَغنيتك، أتنكر هذا، ألم تكن عريانَ فكسوتك، أفتنكر هذا، ألم تكن خاملا فعززتك، أفتنكر هذا. وهذا كثير فى كلام العرب والعجم مطردا لا ينكره إِلا جاهل معاند. ونقول لو لم يذكر هذا التكرير إِلا فى القرآن لكان معجزا، إِذ لا يجد الإِنسان ثقلا فى تكريره على نفسه، بل كل واحد طرى جديد كأَنه منفرد، كما يجد القارئ جدة تعجب ونشاط كلما قرأ قصة الخضر وموسى فى قوله تعالى:حَتَّى إِذَا رَكِبَا } [الكهف: 71]، كأَنه أول ما سمعها وجاء التكرير أيضا فى الشعر. قال الشاعر:
على أن ليس عدلا من كليب   إِذا ما ضيم جيـران المجيـر
على أن ليس عدلا من كليب   إِذا رجف العضاة من الدبـور
على أن ليس عدلا من كليب   إِذا خرجـت مخبـأَة الخـدور
على أن ليس عدلا من كليب   إِذا ما أعلنت نجـوى الأمـور
على أن ليس عدلا من كليب   إِذا خيف المخوف من الثغور
على أن ليس عدلا من كليب   غـداة تأَثـل الأَمـر الكبيـر
على أن ليس عدلا من كليب   إِذا مـا جـار جـأش المستجير
وللعرب قصائد على هذا النمط من التكرير، ومنه قول بعض المولدين ممن لو احتج به لجاز: أبا الفضل إِنى لم أقم، وذكر رب لمزيد التوبيخ فإِن معناه مالك مرب منعم ومن هو كذلك لا يليق به أن يكفر ويعصى مع وضوح دلائله كأَنها ناطقة، حتى أن الكفر بها كتكذيب من تكلم لما عبر بالتكذيب والخطاب للثقلين كما أنهما المراد بالأَنام أو الداخلان فيه، كما مر وكما صرح به فى قوله عز وجلسَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَن } [الرحمن: 31] وقيل الخطاب للذكر والأُنثى من بنى آدم وهو بعيد، وقيل للواحد على العموم البدلى الصلوحى من خطاب الواحد بخطاب الاثنين، كما هو قول فى قوله تعالى:ألْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } [ق: 24] على عادة العرب فى سفر ثلاثة يخاطب منهم الواحد الاثنين وهو أبعد من الذى قبله.

قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم - سورة الرحمن على أصحابه ولم يجيبوه فقال: " الجن أفضل منكم فإِني كلما قرأت { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تَكَذِّبَانِ } قالوا لا بشئ من آلائك نكذب "

السابقالتالي
2