الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ } هى ما يسكر قليله أَو كثيره، وجاءَ الحديث أَنه ما أَسكر كثيره فقليله حرام، وسميت لأَنها تخامر العقل أَى تعالج تغطيته، فكل ما يغيره خمر، وهذا أَصله بالاشتقاق ولو غلب في عصير العنب، وقد قيل أَنها من الخمر وأَما غيرها فمن الحديث { وَالمَيْسِرُ } القمار سمى لأَنه يؤخذ به المال يسرا أَى سهولة، وعدوا منه اللعب بالجوز والكعاب وما أَشبه ذلك، وتنسب قطعة من جبن كصورة الرغيف إِلى القمار لأَنهم يلعبون بها فيأخذها الغالب من المغلوب { وَالأَنْصَابُ } الأَصنام سميت لأَنها تنصب للعبادة، والمفرد نصب بفتحتين أَو ضمتين أَو هي أَحجار تنصب دون الأَصنام، ولا تخلو عن تبرك بها وعبادة { والأَزْلاَمُ } سهام يكتب في بعضها أَمرنى ربى وفى بعضها نهانى ربى وبعض لا كتابة فيه، وهى فى الكعبة عند سدنة الكعبة، إِذا أَرادوا نكاحاً أَو سفراً أَو تجرا أَو غزواً أَو نحو ذلك أَجالوها فما خرج عملوا به، وإِن خرج ما لم يكتب عليه أَعادوا حتى يخرج ما فيه كتابة فهم يستقسمون بها أَى يطلبون ما قسم لهم من الله ذلك دون مالم يقسم لهم من ذلك وتقدم غير ذلك. { رِجْسٌ } خبيث تستقذره العقول السالمة، أَو المراد أَنه كرجس أَى كنجس مستخبث، وأَكثر ما يستعمل الرجس فيما يستخبث عقلا، والنجس طبعاً، ولم يقل أَرجاس لأَن المبتدأ مضاف مفرد محذوف، أَى إِنما تعاطى الخمر، أَو لأَنه في الأَصل مصدر أَو لأَن المراد التشبيه كرجس أَو خبر للخمر، وذكر لأَن المراد شئ رجس ويقدر الخبر لغيره وهو في نية التقديم هكذا، إِنما الخمر رجس والميسر والأَنصاب والأَزلام كذلك { مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } من وسوسته، أَو نسب العمل إِليه لأَنه داع إِليه، ولا يخفى أَن تعاطى تلك المحرمات هو الذى من عمل الشيطان لا نفس تلك الأَشياء، فقوى تقدير إِنما تعاطى الخمر إِلخ، أَو معاملة الخمر إِلخ، ومثله أَن يقدر لكل ما يناسبه، أَى إِنما شرب الخمر ولعب الميسر وعبادة الأَصنام واستقسام الأَزلام، إِلا أَن فيه كثرة الحذف، وإما بلا تقدير فيكون نفس الخمر وما بعده من عمل الشيطان أَى من صنعته وهو جائز إِلا أَنه دون ذلك { فَاجْتَنِبُوهُ } أَى اجتنبوا ما ذكر، أَو اجتنبوا الرجس، أَو اجتنبوا تعاطى ذلك، أَو الشيطان. { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } باجتنابه، قال عمر رضى الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزل:يسأَلونَكَ عَنِ الخَمْرِ والميْسَرِ } [البقرة: 219] فدعا صلى الله عليه وسلم عمر فقرأَها عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزل قوله تعالىيا أَيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأَنتم سكارى } [النساء: 43] إِلخ، فدعا فقرأَه عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزل قوله تعالى: { إِنما الخمر والميسر والأَنصاب والأَزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون }.