الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاَ طَيِّباً } لذيذاً، لما مدح النصارى بالتقشف عن الدنيا وشهواتها زجر المسلمين عن إِفراطهم، ثم نهاهم عن التفريط بالاعتداء فدين الله بين ذلك لا إِفراط ولا تفريط، وكان صلى الله عليه وسلم يحب لحم مقدم الشاة، ويأْكل ثريد اللحم ويحب الحلوى ويمدح الحلوى وثريد اللحم ويأْمر بأَكل الحلوى، وقال صلى الله عليه وسلم: " إِن الله تعالى لم يأْمَرنى بالرهبانية " وقال صلى الله عليه وسلم: " شراركم عزابكم، وأَرازل موتاكم عزابكم " وقال صلى الله عليه وسلم، " من كان موسراً لأَن ينكح فلم ينكح فليس منى " ، وفى الآية النهى عن تحريم ما حل وتحليل ما حرم، وفيها أَن الرزق يطلق على ما تملك الإِنسان من حلال أَو حرام، وهو مذهبنا ومذهب الأَشعرية خلافاً للمعتزلة إِذ قصروه على الحلال، وبيان ذلك أَنه لولا الاحتراز عن الرزق الحرام لم يذكر حلالا، وهو مفعول لكلوا أَو حال من ما أََو من عائدها المحذوف، أَو مفعول مطلق أَى أَكلا حلالا، والأَكل الحرام يكون بالمأَكول الحرام إِلا أَن المعروف أَن المتصف بالحلال المأكول لا الأَكل، وللمعتزلة أَن يقولوا ذكر حلالا توطئة لطيباً وأَن يقولوا الأَكل الحرام هو أَكل الحلال باسراف { وَاتَّقُوا الله الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } كيف تدعون الإِيمان به إِن خالفتموه في أَمره ونهيه وروى أَن هؤلاء الصحابة حلفوا على أَن يجتنبوا تلك الملاذ وأَن اجتنابها قربة، ولما نهوا قالوا: يا رسول الله كيف نفعل بأَيْماننا فنزل قوله تعالى:

{ لاَ يُؤَاخذْكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ } وهو الحلف غلطاً والقصد إِلى لفظ الحلف بلا قصد حلف كقولك لا والله بلا قصد يمين، والحلف على ما يعتقده أَنه وقع فيخرج خلافه كما اعتقد هؤلاءِ الصحابة أَن جب المذاكر واجتناب الطيبات ونحو ذلك قربة فخرج أَنها غير قربة، وقيل: نزلت الآية في عبد الله بن رواحة أَخرت زوجه عشاءَ ضيفه فحلف لا يأْكل من الطعام، وحلفت زوجه لا تأْكل إِن لم يأكل وحلف الضيف لا يأْكل إِن لم يأْكلا، فأَكل عبد الله بن رواحة فأَكلا معه، فقال صلى الله عليه وسلم له: " أَحسنت، أَى بتحنيث نفسك " { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ } بتشديد القاف للمبالغة بأَن يكون الحلف بالله وباللسان والقلب، أَو شدد لموافقة المجرد { الأَيْمَانَ } أَى بعقدكم الأَيمان من قلوبكم، أَى بنكث عقدكم الأَيمان، والنكث هنا الحنث، أَو بما عقدتم عليه الأَيمان فحذف الرابط للعلم به ولو مجروراً بما لم يجر به الموصول ولم يتعلق بمثل ما تعلق به ما جر الموصول والمراد بنكث ما عقدتم عليه الأَيمان أَو بما عقدتم عليه الأيمان إِذا حلفتم وفي هذا رد على من فسر اللغو بما يعتقده ويخرج خلافه لأَنه يصدق عليه أَنه عقد الأَيمان عليه من قلبه، والمعنى ترك الإِهمال فإِنه يؤخذ بالكفارة من عقد من قلبه { فَكَفَّارَتُهُ } صفة مبالغة أَى فعلته التى تبالغ في ستره وإِذهاب إِثمه، أَى فستارته، وفى عرف الفقه تغلبت عليه الإِسمية فالتاء للنقل، وقد قيل فعال بالشد يجوز تذكيره مع المؤنث، والهاء للنكث أَو للعقد باعتبار نكثه أَو الحنث المعلوم من المقام، أَو لليمين لجواز تذكير اليمين كما قال القرطبي، وقيل لا إلا بتأْويل الحلف، أَو للحالف المعلوم من المقام المراد به الجنس، واستدل الشافعية بذكر الكفارة بلا ذكر الحنث في الاية على جواز التكفير قبله بالمال لا بالصوم؛ لأَن الصوم لا يكون إِلا عند العجز عن غيره والعجز يتحقق بعد الحنث، وقاسوا تقديم الكفارة على الحنث على تقديم الزكاة على الحول، والصحيح أَنه لا يجوز إِلا بعده وفاقاً للحنفية لأَن موجبه الحنث، ولا دليل في الآية ولا فى قوله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3 4