الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }

{ قُلْ هَلْ } توبيخ { أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ } بنوع من الناس هو شر { مِنْ ذَلِكَ } النوع الذى آمن بعيسى والأنبياء كلهم والكتب كلها وعبارة بعض الإِشارة إِلى الدين، وقيل إِلى الأَكثر الفاسقين بتأويل من ذكر، وادعى بعض أَن ذايشار بها للمفرد وغيره، وقيل الإِشارة إِلى الأَشخاص المتقدمين الذين هم أَهل الكتاب وإِن المراد أَن السلف شر من الخلف والتفضيل بين الذوات لا بين الأَعراض، والشر إِنما هو باعتبار دعواهم أَن أَهل الإِسلام شر أَهل كل دين فإِنه لا سوءَ فى أَهل الإِسلام من حيث الإِسلام وأثبته تهكما بهم كما تهكم بطريق الاستعارة فى قوله { مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ } أَى عقوبة، وأَصله في الجزاء بالخير وإِن فسرناه شراً، وذلك بالأَعراض. قدرنا مضافاً أَى بأَهل عمل أَسوأَ من ذلك العمل الذى هو الإِيمان بالحق كله فيناسب بالتقدير قوله { مَنْ لَعَنَهُ اللهُ } أَو يبقى بشر وذلك على معنى الأَعراض فيقدر العرض هنا أَى كفر من لعنة الله أَو دين من لعنه الله، وما ذكرته أَولا أَولى لأَنه لا تقدير فيه أَولا ولا آخراً، والتمييز بالمثوبة صالح للذات وللعرض تقول فلان شر عقاباً وعمله شر عقاباً، أَو هو مفعول لأَجله على حذف مضاف أَى لطلب مثوبة، أَو بلا خلاف عند من لا يشترط الاتحاد في الفاعل ومعناه الإِثابة، والإنابة فعل الله عز وجل، ومن خبر لمحذوف كأنه قيل من هو فقال هو من لعنه الله ولا يحسن البدل أَو البيان إِلا على التعريض بأَن المتصف باللعن وما بعده لا بد أَن يكون شراً مثوبة. ولعنه الله أَبعده عن الخير بالخذلان { وَغَضِبَ عَلَيْه } قضى عليه بالعذاب { وَجَعَلَ مِنْهُمُ } هذا الضمير لمراعاة معنى من { الْقِرْدَةَ والخَنَازِيرَ } مسخ شبان أَصحاب السبت قردة وشيوخهم خنازير، أَو أَصحاب السبت من اليهود قردة وأَصحاب المائدة من النصارى خنازير { وَعَبَد الطَّاغُوتَ } العجل أَو الشيطان أَو الكهنة، وكل من عبد من دون الله ومن رأَس في الضلال فهو طاغوت، والعطف على لعنة الله أَى وأَنتم راضون عنهم وسالكون طريق كفرهم فساغ ذمهم بما فعل هؤلاءِ { أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً } هو نار الآخرة واسم التفضيل خارج عن بابه إذ لا سوءَ في مكان المؤمنين وهو الجنة، أَو باق عليه بمعنى أَن مكانهم وهو النار شر من مكان المؤمنين وهو الدنيا لما يلحقهم فيها من الهموم والحاجة وسماع الأَذى، أَو شر من مكان المؤمنين على زعم الكفار هؤلاء مكان المؤمنين، سواء أو شر مكاناً على سائر كفرة اليهود، ويجوز أَى يراد بمكاناً المرتبة والشان وهو منصوب على التمييز المحول عن الفاعل مبالغة باثبات الشرارة للموضع لعظم شرارتهم حتى أَثر في مكانهم، أَو عظم حتى صار مجسماً، أَو الإِسناد مجازى كجرى النهر. أَو يراعى في المكان أَصله وهو موضع الكون الذى يكون فيه أَمرهم إِلى التمكن فيه أَى شر منصرفاً وهو جهنم { وَأَضلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } أَى عن السبيل السواء أَى الوسط أَى الأَفضل وهو دين الإِسلام ولا خير في غيره، وناسب الوسط أَنه بين تفريط اليهود وقدحهم إِذ أَنكروا عيسى وقالوا أَنه ولد الزنى وأَن أمه زنت، وإِفراط النصارى وغلوهم بقولهم عيسى إِله أَو ابن الله. واسم التفضيل خارج عن بابه إِذ لا ضلال في الإِسلام أَو باق على بابه باعتبار قصدهم أَو بالنسبة إِلى غيرهم من الكفار.