الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }

{ سَمَّاعُونَ لِلكَذِبِ } تأَكيد لما قبله وتمهيد لقوله: { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } المال الحرام كالرشا لأَنه يسحت البركة من المال والعمر أي يقطعها وتنقطع منه، وقال الزجاج: لأَنه يعقبه الاستيصال، وقال الخليل لأَنه يسحت المروءَة عن صاحبه في حين كسبه قال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل لحم نبت من سحت فالنار أَولى به: قيل: يا رسول الله ما السحت: قال الرشوة " قال جابر بن عبد الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هدايا الأُمراء سحت. قال صلى الله عليه وسلم: لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشى بينهما " ويجوز أَن يكون المعنى سماعون لكلام الخصم الراشي في الحكم فلا تأكيد لما قبله، ويناسبه ذكر أَكل السحت فتكون الآية في اليهود. قال الحسن: كثرت الرشوة في بني إِسرائيل حتى أَنه يجعل الخصم الرشوة في كمه فيريها الحاكم فيتكلم بحاجته ولا ينظر إِلى خصمه. وقيل ذكر تعليلاً لقوله تعالى:لهم في الدنيا خزى } [البقرة: 114] وقيل الكذب هنا الدعوى الباطلة وفيما مر ما يفتريه الأحبار { فَإِنْ جَاءُوكَ } للحكم بينهم { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ } بالقرآن { أَوْ أَعْرضْ عَنْهُمْ } زاد المحلى أَنك إِن أَعرضت عنهم فارددهم إِلى حاكم ملتهم، وإِن جاءَ كتابي موحد وجب الحكم، ثم نسخ ذلك التخيير بقوله تعالى:وأَن احكم بينهم } [المائدة: 49] فيجب الحكم بين أَهل الكتاب إِذا تحاكموا إلينا لأَن لهم ذمة فيجب القيام بها، وكذا كتابي وغيره قياماً بحقه إِذ كان ذميا، وقيل غير منسوخ وهو قول للشافعي والراجح عنه عدم النسخ، وقيل الآية ليست في أهل الكتاب والصحيح أَنها فيهم لقوله تعالىوكيف يحكمونك وعندهم التوراة } [المائدة: 43]. الخ. وعن أَبي حنيفة وجوب الحكم وأَن الآية فيهم وأَن التخيير منسوخ بأَن احكم بينهم، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، ومن لم يقل بالنسخ قال: المراد احكم بينهم بالحق لا بغيره إغراءً بالحق وإلهابا عليه، والظاهر بقاء التخيير ما لم يدخلوا تحت الذمة وإِذا دخلوا لم يلزمنا ما لم يترافعوا فيه إلينا ولزمنا ما ترافعوا فيه إِلينا ونحكم عليهم بأَحكام الإِسلام فيما يبطل به البيع والنكاح وما يصح به ونحو ذلك وقيل يتركون على بيع الخمر والخنزير { وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّكَ شَيْئاً } أَى ضرا لأن الله عصمك من الناس فهم وإِن ازدادوا عداوة لإِعراضك غير قادرين على مضرتك، قدم الإِعراض للمسارعة إِلا أَن لا يخاف مضرة منهم إِذ قد تتوقع { وَإِنْ حَكَمْتَ } أَردت الحكم بينهم { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } بالعدل الذي جاءَكَ من الله كالرجم أَو من اجتهادك إِن لم يكن وحى. { إنَّ اللهَ يُحِبُّ المقْسِطِينَ } يرضى حالهم فيحفظهم ويعظم شأَنهم ويثيبهم، يقال قسط واقسط بمعنى عدل ويقال قسط بمعنى جار وأَقسط ومقسط أَى أَزال القسط أَى الجور.