الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يحزُنْكَ الَّذِينَ بُسَرِعُونَ فى الكُفْرِ } لم يخاطب الله عز وجل سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بلفظ الرسول فى القرآن إِلا فى موضعين من هذه السورة، وذلك تشريف له وتقوية لقلبه وتسلية له صلى الله عليه وسلم عما يوجب حزنه من قومه، ولا حكم للذوات بنفسها بل باعتبار عوارضها، فالمراد لا يحزنك كفر الذين يسارعون فى الكفر، ولا يحزنك مسارعة الذين يسارعون فأَجسام الكفار لا تورث حزنا ولا فرحاً بل يورث الحزن كفرهم أَو مسارعتهم، ولفظ الآية من نهى الغائبين وهو نهى الكفار عن إِحزانه والمراد نهى المخاطب صلى الله عليه وسلم، أَى لا تحزن بكفرهم ومسارعتهم فيه ولا تتأثر عن ذلك وتبالي به والأَحزان سبب للحزن فنهى عن السبب والمراد النهى عن المسبب قطعاً له من أَصله تأَكيداً، أَو كذا العكس كقولك لا أَراك هنا نهياً لنفسك عن أَن تراه هنا، والمراد نهيه عن الكون فيه الذى هو سبب رؤيتكه، ثم المراد إِظهار الكفر والمسارعة وإِلا فأَصل الكفر فيهم وهم منافقون فليسوا يجاهرون به ولكن إِذا وجدوا فرصة أَظهروه لمثلهم، أَو للمشركين الآخرين فذلك المسارعة، ويظهر أَيضاً كفرهم بظهور أَثره وأَيضاً يسارعون من كفر إِلى كفر { مِن الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بأَفْواهِهِمْ } متعلق بقالوا { وَلَمْ تُؤمِنْ قُلُوبُهُمْ } فمن للبيان أَو للتبعيض وسواء فيها علقنا بمحذوف حال من واو يسارعون أَو من الذين أَى هم الذين قالوا أَو بعض الذين قالوا اعتباراً لكون بعض المنافقين يسارع وبعض لا، والقول لا يكون إِلا بأَفواه فإِنما قالوا بأَفواههم تلويحاً بأَن قولهم قول فم لا نصيب فيه لاعتقادهم { ومِنَ الَّذِينَ هَادُوا } عطف على من الذين قالوا على حد ما مر فى من الذين قالوا فهم أَو بعضهم مسارعون فى الكفر كالمنافقين { سَمَّاعُونَ } أَى قوم سماعون { لِلْكّذِبِ } خبر لضمير الذين قالوا والذين هادوا أَى هم سماعون أَى هؤلاء الذين قالوا والذين هادوا سماعون، ويجوز جعل من الذين هادوا خبراً لسماعون ودون ذلك أَن تجعل خبرا لضمير الذين قالوا محذوفاً والأَول أَولى لعموم العقاب والغوائل، ويدل له قراءة سماعين بالياءِ فإِنها تعين العطف واللام لام التقوية أَى سماعون المكذب من الأَخبار على وجه القول أََو المراد بالسمع القبول كقولنا سمع الله لمن حمده واللام للتقوية لأَن القبول أَيضاً يتعدى بنفسه، والكذب تحريف التوراة لفظاً أَو تفسيراً والطعن فى نبوءَته صلى الله عليه وسلم، أَو اللام للتعليل فيقدر المفعول أَى سماعون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَو كلام الناس أَو كليهما ليكذبوا فى شأَنه عليه بالزييد والنقص والتبديل والإِرجاف والقول بإِنا سمعنا كذا وكذا ولم يسمعوا { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } اليهود وهم أَهل خيبر وقريظة والنضير والساعون الناقلون منافقوا المدينة، وحاصل الكلام هو هذا أَو أَن قوماً من اليهود يسمعون الكذب من أَحبارهم وينقلونها إِلى عوامهم وينقلون عنك إِلى أَحبارهم ليحرفوه.

السابقالتالي
2 3 4