الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ وَالسَّارِقُ والسَّارِقَةُ } لربع دينار وما يساويه قيمة عندنا وعند الشافعى ومالك، وقيل أَو أَقل، وبسطت الأَقوال فى الفروع ومنها قول أَبى حنيفة عشرة دراهم، وقول الحسن بدرهم وعنه عن ابن الزبير وابن عباس فى القليل والكثير بلا حد، وبه قال الخوارج، وقيل لا تقطع الخمس إِلا بخمسة دراهم والخلاف لأَحاديث ومنها لا قطع إِلا فى ربع دينار. وذلك من حرز. ولم يعتبر ابن عباس وابن الزبير والحسن والخوارج الحرز وقدم السارق على السارقة لأَن الرجل أميل إِلى السرقة وأَقوى، والزانية على الزانى لأَنها أَميل إِلى الزنى حتى أَن الرجل إِليها كإِبرة فى الطين ولأَنه لولا رضى المرأَة غالبا ما زنى بها رجل إِذ لو صاحت أَو أَنكرت من جدها لذل الرجل وذهب، وهما مبتدأ على حذف مضاف والخبر محذوف، أَى مما يتلى عليكم أَو مما فرض عليكم حكم السارق والسارقة، وقوله تعالى { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } بيان لذلك الحكم أَو هو الخبر فالفاء فيه لشبه المبتدأ باسم الشرط فى العموم مع ما أَشبه الفعل وهو الوصف، والإِخبار بالطلب جائز والمراد بالأَيدى الأَكف اليمنى وإِن عادوا فاليسرى وإِن عادوا فالقدم اليمنى من مفصلها وإِن عادوا فاليسرى، ويعزر بعد ذلك إِن عاد بما يرى الإِمام، وقد قطع صلى الله عليه وسلم يمنى سارق من الرسغ، رواه الحارث بن أَبى عبدالله بن أَبى ربيعة كما ذكره أَبو نعيم، وذلك مذهب الجمهور وهو مذهبنا، وقالت الإِمامية: يقطع من أَصول الأَصابع ويترك له الإبهام والكف، وزعمت الصفرية أَن القطع من المنكب وزعم بعض أَن المراد الأَصابع من اليمنى لأَن القبض بها غالباً ولم يقطع الأَئمة إِلا من الرسغ فصار إِجماعاً، والحمع لكراهة تثنيتين ولو ثنى فقيل يديهما لجاز ولو أَفرد فقيل يدهما لإِرادة الحقيقة لجاز، ويختار الجمع { جَزَاءً } اقطعوا أَيديهما حال كونكم مجازين أَو ذوي جزاء، أَو أَيديهما حال كونهما مجازين بفتح الزاى أَو ذوى جزاءِ بفتح الواو ولأَجل الجزاءَ. أَو جاز وهما جزاء أَو اعتبر الجزاء فى اقطعوا. { بِمَا كَسَبَا } بما كسباه وهو السرقة أَو يكسبهما وهو هى { نَكَالاً } تعليلا لجزاء أَو بدل منه على أَنه نوع منه وهو العذاب أَو الإِصابة بنازلة أَو تعليل لاقطعوا، أَو لو جعلنا جزاءً تعليلا له لجواز تعليل شىء واحد بعلتين بطريق التبعية كالبدل هنا وأَجازه بعضهم ولو بلا تبعية ولا بأس بتعليل علة ومعلولها { مِنَ اللهِ } فلا بد من التوبة بالندم وبالعزم على عدم العود وبالضمان لأَن ذلك جزاء لا كفارة وما جاءَ فى الحديث أَنه كفارة محمول على من تاب { وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } فى إِيجاب القطع وفى انتقامه منه ومن العصاة وفى فرائضه وحدوده فالقطع حكمة لا تحكم، لعن الله المعرى إِذ قال:
يـد بخمـس مئيـن عسجـد وديـت   ما بالها قطعـت فـى ربـع دينـار
تحكـم مـالنـا إِلا السكـوت لـه   وأَن نعـوذ بمـولانـا مـن النـار
قلت:
يـاليـت كلـب المعـرة الـذى نبحـا   بـذا الكـلام وأَبـدى مضمـر العـار
عـن نطقـه سـاكـت فـإِن حكمتـه   سبحانه وتعـالى عـز مـن جـار
عـز الأَمـانة أَغـلاهـا وأَرخصـها   ذل الخيـانة للحـرز والـدار
وإِن أَراد بالتحكم مجرد أَنه لا بد لنا من الحكم به قلنا قبحه الله لسوء عبارته. ويدل على أَنه لا يكون القطع كفارة بلا توبة قوله تعالى.