الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

{ وإنْ طائفتان } أى وان اقتتلت طائفتان { من المؤمنين } نص فى جواز تسمية الموحد الفاسق مؤمنا، ولا يختص بالموفى { اقْتَتَلوا } تقاتلوا، فهو من الافتعال الذى بمعنى التفاعل، ولم يقل اقتتلتا كما قرأ به ابن أبى عبلة مراعاة للفظ طائفتين، ولا اقتتلاكما قرأ به زيد بن على مراعاة لمعنى الفريقين، وكما قال بينهما، بل قال اقتتلوا مراعاة لما فى كل طائفة من تعدد الأفراد { فأصلْحُوا } بالوعظ والنصح، وازالة شبهة ان كانت { بينهما } خطاب للباقين الذين لم يقتتلوا، وضمير التثنية مراعاة للفظ طائفتان، مراعاة للفظ بعد مراعاة المعنى، والكثير العكس، ونكتة ذلك هنا أنهم حين الاقتتال يختلط بعض الطائفة، بالأخرى، وفى حال الصلح تمتاز كل طائفة على حدة.

{ فإنْ بَغَت إحداهما عَلى الأخْرى } بعد المطالبة بالصلح، والفاء لمجرد الترتيب إذ لم يتقدم ما يتفرغ وتسبب به { فقاتلوا التي تَبْغي حتَّى تَفيء } ترجع { إلى أمْر الله } واحد الأمور، والمراد حكم الله، أو هو ضد النهى، أى الى ما أمر الله به، ويجوز أن يكون المراد بالفاء الأولى الترتيب الذكرى، فيرجع الكلام الى غير الصلح. أى ان رأيتم بغيا فأعينوا المبغى عليه، إلا أنه ينبغى المطالبة أولا بالكف عن البغى { فإن فاءت } رجعت الباغية الى أمر الله.

{ فأصْلحُوا بيْنَهما } بالأمر برد ما أخذ من الأموال، وبديات القتلى والجرحى والفساد فى البدن، وعبر بالاصلاح لأنه ربما لا يتوصل الى ايصال كل ذى حق الى كل حقه إلا به، أو الاصلاح هنا ازالة الفساد، ويجوز الصلح، ولو تميز كل حق وصاحبه اذا خيف دوام الفتنة بالاستقصاء، ولا تتركوهم بلا اصلاح لئلا يرجعوا الى القتال { بالعَدْل } قيد للاصلاح، لأن المقام مظنة الحيف { وأقْسطُوا } اعدلوا فهو تأكيد للعدل، أى أقسطوا فى كل شىء، فيدخل هذا الإصلاح، وهذا تاكيد، وأكد مطلق الاقساط بقوله تعالى: { إنَّ الله يحُبُّ المقْسِطينَ } يجازيهم على اقساطهم أحسن الجزاء، وكيفية الإصلاح أن يقول لاحدهما: أعطوا الأخرى كذا، واتركوا لها ما عليها، أو اتركوا لها كذا باختياركم، أو اذنوا لى أن أقدر ما تعطون أو يعطون، ومن ذلك أن تترك كل واحد مالها على الأخرى، وعليه جمهور قومنا، فان أبوا لم يجبرهم.

وقال قومنا: يجبرهم على أن تعطى الفئة الباغية قليلة العدد، بحيث لا منعة لها ما أفسدت، وان كانت كثيرة العددات شوكة ضمنت عند محمد بن الحسين، لا عند غيره، وذلك اذا فاءت، وأما قبل التجمع والتجند، وعند التفرق، ووضع الحرب أوزارها فما جنته ضمنته، وقيل: ان مراد الآية اماتة الضغن الحقد دون ضمان الجنايات وهو ضعيف، لأنه لا يطابقه ذكر العدل والاقساط، وانما يناسب ذكرهما تدارك الفرطات، وأما بدونه فكأنه لا عمل للمصلح، والخطاب فى الاصلاح العموم، والمراد بالذات أولو الأمر أو أعظمهم، وفى ذكر المجموع تلويح بأنه لم يصلح بينهم أولو الأمر أو كبيرهم، فليصلح العامة أو أحدهم، وقد قيل: الخطاب لأولى الأمر الذين يتأتى لهم الاصلاح، ومقاتلة الباغى، مثل أن تمتنعا من الصلح واستمرتا على القتال، فأتاهما معا أولو الأمر وكبيرهم لعدم الاذعان الى الصلح المأمور به، والمذهب حمل ذلك على أن تقاتل الباغية فقط، وبه قال جماعة من قومنا، حتى ان اعانة المبغى عليها كجهاد المشركين.

السابقالتالي
2 3 4