الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }

{ إنَّ الَّذين يُنادونَكَ } المضارع لحكاية الحال الماضية لغرابتها، لأن النداء من وراء الحجرات متقدم على نزول هذه الآية، لكنه حكى بالمضارع الذى هو للحال استحضارا له، كأنه وقع النداء حال النزول، والمنادون وفد تميم سبعون رجلا، أو ثمانون منهم الزبرقان بن بدر، وعطارد بن حاجب بن زرارة، وقيس بن عاصم، وقيس بن الحارث، وعمرو بن الأهتم، ومعهم عيينة بن حصن بن بدر الفزارى، وكان رجل سوء، يحضر فى كل سوء، نادوا بصوت جهير جاف: يا محمد اخرج الينا ثلاثا، ولم يقولوا يا رسول الله، ثم خرج اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد ان مدحنا زين، وذمنا شين، نحن أكرم العرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذبتم، بل مدح الله الزين، وشتمه الشين، وأكرم منكم يوسف ابن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم " وذكر ابن اسحاق منهم الأقرع ابن حابس، وذكر أنه وعيينة شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف، وأن عمرو بن الأهتم خلفه القوم فى ظهرهم، وأن خطيبهم عطارد بن حاجب، وخطيبه صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس، وشاعرهم الزبرقان بن بدر، وشاعره صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت.

ولما فرغ حسان من الشعر قال الأقرع: ان هذا الرجل المؤتًّى له، لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولأصواتهم أعلى من أصواتنا، وأنه لما فرغوا سلموا فأحسن صلى الله عليه وسلم جوائزهم، أعطى كل واحد اثنتى عشرة أوقية وكساء، ولعمرو بن الأهتم خمس أواق لحداثة سِنِّه، وكان عاصم بن قيس يبغض عمرا، فقال: يا رسول الله انه كان رجلا منَّا فى رحالنا وهو غلام حدث، ونقصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أعطاه مثلهم اثنتى عشرة أوقية، فبلغه فقال:
ظللت مفترش الهلباء تشتمنى   عند الرسول فلم تصدق ولم تصب
سدناكم سؤدداً رهواً وسؤدكم   باد نواجذه مقع على الذنب
وروى ابن مردويه، عن سعد بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن هؤلاء المنادون فقال: " هم الجفاة من بني تميم، لولا أنهم من أشد الناس قتالاً للأعور الدجال لدعوت الله سبحانه وتعالى عليهم ليهلكهم " وجعل ذلك أبو هريرة أحد أسباب حبهم، والمشهور أن سبب وفودهم المفاخرة، وقيل: سببه أنهم جهروا السلاح على خزاعة، فبعث صلى الله عليه وسلم عيينة بن بدر فى خمسين، وليس فيهم أنصارى ولا مهاجرى، فأسر منهم أحد عشر رجلا، واحدى عشرة امرأة، وثلاثين صيبا، فقدم رؤساؤهم لأسراهم فى سبعين أو ثمانين منهم: عطارد، والزبرقان، وقيس بن عاصم، وقيس بن الحارث، ونعيم بن سعد، والأقرع بن حابس، ورباح بن الحارث، وعمرو بن الأهتم، ودخلوا المسجد وقد أذن بلال للظهر، والناس ينتظرون خروجه للصلاة، فنادوه من وراء الحجرات، وأجازهم بما مر آنفا قال الأقرع:

السابقالتالي
2 3