الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً }

{ هُو الذي أنزل السَّكينَة في قُلوب المُؤمنين } الطمأنينة والثبات بعد الخوف بالفتح المذكور، فلا تضطرب النفس حتى تذعن لصلح الحديبية، ولا يفروا فى الحرب، ولا تعرض عن حق، وعن ابن عباس: كل سكينة فى القرآن طمأنينة إلا التى فى سورة البقرة، وفى التعبير بالانزال ايماء الى علو شأن الطمأنية، وذلك انزال من علو للشىء أولأسبابه، ويجوز أن يكون الانزال بمعنى الاسكان، كما تقول: أنزلت الضيف فى دارى، وقيل: السكينة ملك يسكن قلب المؤمن ويؤمنه، ما قال على: ان السكينة لتنطق على لسان عمر، وعن ابن عباس: السكينة الرحمة، وقيل: السكينة العقل، لأنه يسكن عن الميل الى الشهوات، وعن الرعب، وقيل: العظمه لله ورسوله، وقيل: السكون الى الشرع كما قال:
فيم الاقامة بالزوراء لا سكنى   فيها ولا ناقتى فيها ولا جملى
{ ليْزدادوا إيماناً مَعَ إيمانهم } بأن يقوى فى قلوبهم، وهو واحد فى نفسه كالعقل التام، يقوى وينقص، فالايمان يزداد وينقص، وهو فى نفسه واحد، ولو كان ازدياد بكثرة الأدلة والنظر، كشجرة تنمو بالماء، ونور مصباح ينمو بالزيت، وكذا النقص، وكذا فهم ابن عمر فقال: يا رسول الله الايمان يزيد وينقص؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار " وعن عمر وجابر، عنه صلى الله عليه وسلم: " لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح به " وأما اعتبار الايمان قولا وعملا فيزداد بزيادة العمل، وينقص بنقص العمل، أو تركه وزيادته بزيادة ما يؤمن به، وزيادة نزول ما يعمل به، وكلَّما نزل شىء زاد ايمانا به، وكلما كان بالوحى عمل به، وكذا حدوث علم بعمل، فلا ينبغى الخلاف فى ذلك، وانما هو فى التصديق ينمو وينقص، والا لزم أن يكون ايمان الملائكة والأنبياء الأولياء، وايمان الفاسق سواء، وليس كذلك، بل الانسان الواحد يقوى تصديقه فى مسألة تارة وينقص فيها أخرى، وقال جماعة: الايمان بمعنى التصديق لا يزيد ولا ينقص، وبه قال أبو حنيفة، وامام الحرمين، لأنه لو نقص لم يكن تصديقا، قلنا: لا يزيد بل ينقص مع بقاء أصله كشجرة تذبل، ونور ينقص بنقص الزيت، توقن أن لك كما زعموا ألفا من جهة كذا، وتنسى الجهة ويبقى اليقين، وتوقن أن الله تعالى قديم اذ لو حدث لكان بمحدث، وتذهل أو تنسى اللوية فينقص.

{ ولله جنود السَّماوات والأرض } فهو قادر أن ينصرك بما شاء، ولو مع قلة عددكم، ومن جنوده: الطاعة والصيحة، أو المراد أن الملائكة، وجنود الأرض الحيوانات، وجنود السماوات الصاعقة والصيحة والحجارة، وجنود الأرض الخسف والزلزلة والغرق، أو المراد أن فى ملكه الجنود خلقها وابتلى بعضاً ببعض فقتل بعض بعضا تارة، فيكون النصر بأيديكم، فلكم الأجر، وعلى عدوكم العقاب، واصطلحوا تارة أخرى، كما اصطلحوا يوم الحديبية بحسب الحمة.

السابقالتالي
2