الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

{ إذْ جَعَل الذين كَفروا } اذكر اذ جعل، أو هى ظرف لعذبنا، او بصدوكم أو بأحسن محذوفا أى أحسن الله تعالى اليكم أيها المؤمنون إذ جعل الذين كفروا الخ ومحط الاحسان قوله: { فأنزل الله سكينته } الخ، والذين فاعل جعل، وقوله: { في قُلوبِهِم } مفعول ثان وقوله { الحميَّة } مفعول أول، أى صيروا فى قلوبهم الحميَّة، أو جعل متعد لواحد بمعنى ألقى يتعلق به فى، ولا بأس بتسمية كسب الحميَّة الفاء، أو تصييراً، ومن التخليط قول بعض: انه يجوز جعل فاعل جعل ضمير الله، وفى قلوبهم بيان لمحل الجعل، وأن مرجع المعنى إذ جعل الله فى قلوب الذين كفروا الحمية نظرا الى معنى جائز فى الجملة، وغفل عما فيه من فساد الإعراب، ومخالفة المعنى المراد، أو تكلف تقدير فى داخلة على الذين، والحمية المعاونة على الباطل لصحبة او قرابة أو منفعة، ولو لم يكن غضب.

{ حميَّة } بدل أو بيان { الجاهليَّة } أى الملة الجاهلية، وأجيز أن تكون الإضافة بيانية، أى حمية هى الخصلة الجاهلية، ومن الحمية الجاهلية قول قريش يوم الحديبية، لا يدخل محمد علينا أبدا، وامتناعهم من ترك آلهتهم، وليس من الأعراب فى شىء قول بعض الحمية الناشئة من الجاهلية، ويجوز الحمية الاسلامية، بل تجب وهى الاعانة على دين الله عز وجل، والجاهلية نسب الى الجاهلين أو الجهلاء بحذف علامة الجمع { فأنزل الله سَكينَته عَلى رسُوله وعَلى المُؤمنين } الوقار الذى ملك لله تعالى، ومنها حلم المؤمنين عن أن يبطشوا بالمشركين يوم الحديبية، إذ منعوهم عن البيت بعد أن هموا بالبطش، والجملة عطفت على جعل، أو صدوكم أى اذكر إذ جعل، فأنزل أو صدوكم فأنزل، وان علقنا إذ بعذبنا كان العطف على محذوف، أى لم يتزيلوا فلم نعذب، فأنزل الله، وان علق بأحسن لله إليكم كان العطف على أحسن الله إليكم.

لما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الحليفة قلد الهَدى وأشعره وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينا من خزاعة يخبره عن قريش، ورجع اليه فى غدير الأشطاط قريبا من عساف، فقال له: ان قريشا أجمعوا أن يقاتلوك بالأحابيش وجمع جمعوها، وصادوك عن البيت، فاستشار أن يغير على ذرارى من يعينهم، فقال الصديق: يا رسول الله ما جئنا الا للعمرة، ولا نقاتل حتى يمنعونا عن البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: " سيروا على اسم الله تعالى " وقال له بديل بن ورقاء الخزاعى وجماعة جاءوا معه إذ نزل أقصى الحديبية: تركنا كعب بن لؤى وعامر بن لؤى نزلوا قريبا ليقاتلوك ويصدوك عن البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: " جئنا للعمرة لا للقتال وإنَّ قريشاً نهكتهم الحرب فليخلوا بيني وبين سائر العرب فإنْ أصابوني فذلك أرادوا وإنْ ظهرت عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإلاَّ قاتلتهم وبهم قوة، فوالله لا أزال أقاتل على دين الله حتى يظهره الله أو أموت ".


السابقالتالي
2 3 4 5