الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً }

{ سَيقُول لك المخلَّفون } الذين تركتموهم خلفكم، ولم يخرجوا معكم الى مكة عام الحديبية معتمرين { مِن الأعراب } عرب البدو لا واحد له من لفظه الا بالنسب، تقول: جاء أعرابى، وقل مفرده عرب على العموم، ثم خص بأهل البدو ومنهم، والمخلفون منهم: جهينة، ومزينة، وغفار، وأشجع، والصمايل، أو سلم، وديل، ونخع، طلبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا معه للعمرة حذرا من قريش أن يتعرضوا له بحرب، أو يصدون عن البيت، وأحرم هو صلى الله عليه وسلم، وساق معه الهدى، ليعلم أنه ما أراد حربا، فامتنعوا لما رأوا أنه استقبل صلى الله عليه وسلم عددا عظيما من قريش وثقيف وكنانة والأحابيش، وهم القبائل المجاورون حول مكة، وقالوا: كيف نذهب الى قوم عزوه فى داره وقتلوا أصحابه؟ وقالوا ولم يتمكن الايمان فى قلوبهم: لن يرجع محمد وأصحابه من هذه السفرة، فأوحى الله تعلى اليه بما قالوا، فأخبرهم بما قالوا قبل أن يصل اليه رسولهم به، وباعتذارهم المذكور فى قوله تعالى: { شَغَلتْنا } عن السفر معك الى مكة للعمرة { أموالنا وأهْلونا } اذ لا حافظ لها بعدنا، وأخروا ذكر الأهل للترقى، بأن يذكروا شيئا فشيئا فيختموا بما يكون حجة لا ترد، وان رد ما قبلها لا للاهانة، لأن المحافظة على النسوة والمماليك والأولاد أهم عند ذوى الغيرة، من المحافظة على الأموال، وذلك مطبوع فى القلوب.

{ فاسْتَغْفر لنا } ادع الله أن يغفر لنا تخلفنا عنك، فانه لم يكن لتكاسل أو لحب خذلان لك، بل لذلك الشغل، وقوله تعالى: { يقُولُون بألْسِنَتهم ما لَيسَ في قلوبهم } مستأنف لتكذيبهم إذ قالوا: تخلفنا لذلك الشغل، وفى قلوبهم أنهم تخلفوا لخذلانه، ولخوف أن يقتلوا وبخلا بمئونة السفر ومشقته، وإذ طلبوا الاستغفار طلب المعترف بالذنب، وفى قلوبهم أنهم لم يذنبوا فى تخلفهم، وأطلت الكلام على الكذب عند النظام وغيره فى موضع آخر.

{ قُل } رداً عليهم { فمن يمْلكُ } عاطفة فى الأصل على كلامهم، وأما فى الحال فمما نصب بالقول، كأنه قيل اعطف على كلامهم بقولك، فمن يملك أو فى جواب شرط محذوف، والكل وما بعده منصوب بقول، أى قل ان كان ذلك فمن يملك الخ، والملك التغلب على الشىء بقوة وضبط، قال شيخ من العرب: أصبحت لا أملك رأس البعير، ان نفر، أويقال: ملكت العجين اذا شددت عجنه، فمعنى الآية من يستطيع لكم امساك شىء من قدرة الله تعالى ان أراده بكم { لَكُم } هذه اللام صلة للفعل قبلها وهى للتمليك والنفع، والقول بأنها للبيان، أى أعنى لكم تخليط وزيادة معنى غير مراد { مِن الله } من للابتداء متعلق بيملك كما تعلقت به اللام، أو بمحذوف حال من قوله: { شيئاً } نفعا، أو دفع ضر، ودفع الضر نفع فصح أن اللازم للتملك والنفع، ولا ينافى هذا النفع عموم قوله: { شيئاً } للضر لما عملت أن دفعه بقوله:

{ إنْ أراد بكُم ضراً } ايقاع الضر { أو أراد بكُم نفْعاً } ايقاع النفع، والضر والنفع باقيان على المعنى المصدرى، ويجوز تفسيرهما بمعنى الوصف أى الأمر الضار أو النافع، كأنه قيل: ما يضر وما ينفع، وقدر بعض من يملك لكم شيئا ان أراد بكم ضرا أو من يحرمكم النفع، ان أراد بكم نفعا، وهذا تفسير ليملك بدفع المضرة هنا، كقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3