الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً }

هذا الفتح هو صلح الحديبية عند الجمهور، وهو قول ابن عباس وأنس، أخبر الله تعالى به مؤكدا بأن، وبأنه فتح مبين، أى ظاهرا او مظهرا للحق لوجوه منها: أن بعض الصحابة قال: والله ما هذا بفتح، صددنا نحن وهَديُنا عن البيت، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة رجلين مسلمين هجرا منها حين أقام بالحديبية كارها، فقال صلى الله عليه وسلم: " بل أعظم الفتح رأى المشركون منهم ما كرهوا، وأذعنوا للصلح، ورغبوا في الأمان إليكم، أنسيتم يوم أحد { إذْ تصعدون ولا تلوون } الآية أنسيتم يوم الأحزاب: { إذْ جاءوكم من فوقكم } الآية " فقال المسلمون: صدق الله ورسوله هو أعظم الفتوح، والله يا رسول الله، ما فكرنا فيما قلت، ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا.

ومنها: أنه تعالى أخبر به امتناناً.

ومنها: أن بعض الصحابة وغيرهم بعد لم يحضر الفتح، ففى هذا اخبار لهم.

ومنها: أن الحاضرين فى الحديبية علموا الصلح ولم يعلموا أنه فتح، أو علموا انه فتح، ولم يعملوا عظم شأنه، فأخبرهم الله تعالى بعظم شأنه، ألا ترى الى ضمير العظمة.

ومنها: أنه تعالى أخبر بذلك ليبدلهم على أنه للمغفرة، واتمام النعمة، والنصر العزيز المذكور بعد، ولا يصح ما قيل انه لازم الفائدة كقولك: قام زيد، ليعلم سامعك أنك عالم بقيامه.

وسمى الصلح فتحا لاشتراك الصلح والفتح فى الظهور، لأن المشركين ابتدءوا به وسألوه، وذلك ذل منهم، قال الكلبى: ما سألوا الصلح الا بعد أن ظهر المسلمون عليهم، وعن ابن عباس: رماهم المسلمون بالنبل والحجارة حتى أدخلوهم ديارهم، وأيضا سمى فتحا لأنه سبب لفتح مكة.

قال الزهرى: لم يكن فتح اعظم من صلح الحديبية، سمعوا كلام المسلمين، وتمكن الاسلام فى قلوبهم، وأسلم فى ثلاث سنين من يومها خلق كثير، قال مجمع بن حارثة الأنصارى: شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرفنا عنها اذا الناس يهزون الأباعر، فقال بعض: ما بال الناس؟ فقال: أوحى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجنا نرجف، فوجدنا النبى صلى الله عليه وسلم واقفاً على راحلته عند كراع العميم، فلما اجتمع الناس قرأ: " إنا فتحنا لك فتحا مُبينا " فقال عمر: اهو فتح يا رسول الله؟ قال: " نعم والذي نفسي بيده ".

قال القرطبى: فتحو مكة بعشرة آلاف فى السنة الثالثة، وليس المراد فتح خيبر، لأنه ذكر بعد، ولا فتح مكة لذكره بقوله تعالى:لقد صدق الله رسوله الرؤيا } [الفتح: 27] الخ وقيل فتح فارس والروم، وما يفتح بعده على أيدى الصحابة ومن بعدهم، كالمغرب الأدنى والأوسط والأقصى، إلا أنه ما دخل أندلس من الصحابة إلا واحد اسمه المنيذ، فالمضى لتحقق الوقوع، ومزيد التبشير، أو على ظاهره باعتبار ثبوته عند الله عز وجل فى الأزل، وفى اللوح، وهكذا كل مضى فى القرآن بحسب الامكان.

السابقالتالي
2