الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }

{ فَلا تهِنُوا } عطف علىأطيعوا الله } [محمد: 33] أو علىإنَّ الذين كفروا } [محمد: 34] الخ وعليه فيكون عطف فعليه إنشائية على اسمية خبرية، أو الفاء فى جواب شرط محذوف اذا علمتم أن الله مبطل كيدهم، ومعاقبهم وخاذلهم فى الدنيا والآخرة { فلا تهنوا } أى تضعفوا لهم مبالاة بهم { وتَدعوا } عطف على تهنوا، فالنهى منسحب عليه، كأنه قيل ولا تدعوا، أو منصوب بأن محذوفة فى تأويل مصدر معطوف على مصدر من تهن، أى فلا يكن منكم وهن للمشريكن ولا دعاء لهم { الى السَّلْم } والجملة حال من واو تهنوا أو واو تدعوا، ويؤخذ من الآية أنه لا تجوز ملاينة المشركين، وترك القتال إلا عند الضرورة، وتحريم ترك الجهاد إلا عند العجز.

{ والله مَعَكم } عطف على أنتم الأعلون فالجملة حال، إذ عطفت على الحال والمعنى الله ناصركم كيف تميلون الى الذل للمشريكن وأنتم الأعلون عليهم، والله ناصركم فى الحال، وبعد الحال، والأعلى خارج عن معنى التفضيل، أى وأنتم العالون، ومن معية الله قول بنى مضاب إذا ظنوا مهل بفتح الميم والهاء واللام، وهى مشددة والأصل معى الله، بمعنى أستعين بالله أن يكون الأمر كما ظننت فخرجوا عين مع الى الهاء وحرفوا كسرها الى الفتح، وحرفوا لفظ الجلالة بحذف الهاء والألف قبلها، وهو حرام، لكن لم يقصدوا ذلك، ولا عرفوا معناه، كما حرفت نساؤهم يا هذا أو يا هذه الى يا أه بشد الهاء مفخمة وحذف الذال وما بعدها، وكما حرفوا أى والله بحذف لفظ الجلالة وابقاء واو القسم، وهذا يشاركهم فيه أهل مصر، وذلك أن أى بكسر الهمزة واسكان الياء بمعنى نعم تستعمل قبل القسم.

{ ولَن يتَركُم أعْمالكم } لن ينقصكم اعمالكم، عداه لاثنين لتضمن ما يتعدى اليهما، وهو النقص، يقال: وتره ضيعه، ووتره سلب ماله، أو قتل له ولدا أو أخا أو حميما أو قريبا له، وكل من الوتر بمعنى الفرد، والمعنى أفرده عن ماله أو قريبه، أو حميمه، ففى الآية تشبيه افرادهم عن عملهم بافراد الانسان عن مال أو ولد، قال صلى الله عليه وسلم: " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " وان جعلناه لازما فاعمال بدل من الكاف بدل اشتمال، واذا جعلنا الجعل قبل غير أحوال فلا اشكال فى العطف، وان جعلناها أحوالا فعطف هذه على جملة الحال موضع فى تصدير جملة الحال بان النافية للحال لأنها للاستقبال فنقول: حال مقدرة، ولا نحتاج فى تصديرها بان الى السماع مع التأويل بالمقدرة، والحال المقدرة راجعة الى المقارنة والتخريج على أن يغتفر فى التابع ما لا يغتفر فى المتبوع لا يكفى لأنه تبقى المنافاة بين الحال الاستقبال، فهذا التخريج غير مستغن عن استعمالها بلن، لكن هنا بالتبع فتغتفر، بل الذى أقول به ان لن تفعلوا حال مقدرة، أى فان لم تفعلوا فيما مضى، ناوين أن لا تفعلوا فى المستقبل وذلك فى قوله تعالى:فإنْ لم تفعلوا ولن تفعلوا } [البقرة: 24].