الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ }

{ إنَّ الَّذين ارتدُّوا } ردهم الشيطان وأنفسهم الى الشرك والمعاصى، فطاوعوا ورجعوا الى ما كانوا عليه كما قال: { عَلى أدبارهم } فان الشرك والمعصية مما يستخبث ويعرض عنه، ويلقى وراء الظهر { مِنْ بَعْد ما تبيَّن لَهُم الهدى } بالقرآن وسائر المعجزات، قال ابن عباس، والضحاك والسدى: نزلت فى قوم أسلموا بلا نفاق، ثم نافقت قلوبهم، ولو كانوا من أول على النفاق لم يطلق عليهم الارتداد، ولا يقال ارتدوا الى الاظهار، لأنهم لا يظهرون، بل ينافقون الا فيما بينهم، وقال بعض العلماء: المراد المنافقون الموصوفون بمرض القلوب، وقبائح الأحوال فيما مر، ولا ينبغى قول عالم فى التفسير، والرواية عن ابن عباس اذا صحت الا لدليل قوى، وقد سمى ترجمان القرآن.

وعن قتادة: المراد اليهود والنصارى، ارتدوا عن الايمان بآيات التوراة والانجيل المثبتة لرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بعد ارساله، وعن ابن جريج: المراد اليهود، ارتدوا بعد رسالته صلى الله عليه وسلم بما آمنوا به قبلها من آيات التوراة الدالة عليها، ويحتمل إرادة المنافقين واليهود والنصارى، والمتبادر الأول، قلت أو المراد كل مشرك أدرك الحق، وكفر عنادا فادراكه كالايمان، والاعراض عما أدرك كالردة.

{ الشيطان سوَّل لَهُم } الشيطان جنس الشياطين أو ابليس، لأن كل ما فعل الشياطين فقد ارتضاه وأمرهم به فى الإجمال، وسول من السول بفتح السين والواو مصحا معتلا غير معل، وهو التسهيل، وأصله الاسترخاء، استعير للتسهيل والتشديد لتعدية، أى عدة لهم سهلا لا يبالى به، وقيل: من السول بمعنى التمنى، أى حملهم على سولهم أى متمناهم، فالتشديد للحمل على معنى المصدر، مثل غربه اذا حمله على الغربة، وهو من معانى فعل بالشد كما بسطته فى شرح لامية الأفعال، وحملوا السول على معنى المسئول، ولا يعترض بأن السول بمعنى التمنى مهموز لأنا نقول: أخذ منه سول بالشد على لفظه من قلب الهمزة فيه واوا للين المشهور فيه، وهو ابقاء الهمزة، بل قد يقال من المهموز المسهل الهمزة الى الواو حققت الواو تخفيفا، والتزم ذلك كما يلتزم القلب، ويلغى الأصل فى الألفاظ مقصورة على السماع كتدير بمعنى اتخذ دارا أخذ من لفظ ديار جمع دار، وألف دار عن واو، وتحيز أخذا من الحيز ومن الحوز واوى العين، وقد سمع يتساولان بالواو، بمعنى كل واحد يتمنى من الآخر، وما تقدم أولى لخلوه عن التكلف.

{ وأمْلَى لَهُم } بسط الشيطان لهم فى تمنى كثرة ما يشتهون، وطول البقاء فيه مدة طويلة، وأصل الاملاء الابقاء ملاوة أى مدة من الدهر، والمراد طيلة، وقيل: وعدهم بالبقاء الطويل، وعلى كل حال شغل بذلك قلوبهم عن الايمان بجوارحهم عن العمل، وسمى ذلك املاء أى تأخيرا على التجوز، والمملى حقيقة هو الله تعالى، وقيل: الضمير لله، وفيه تفكيك الضمائر، ولكن يتقوى بقراءة الأعمش بضم الهمزة وكسر اللام بعده ياء ساكنة، وأصلها الفتح وهو فعل مضارع، وهو الله تعالى بهمزة التكلم بمعنى الامهال لهم، وقد يقال: بأنه ماض مبنى للمفعول، سكن آخره تخفيفا، كما يقال فى رضى بفتح الياء رضى بفتح الياء رضى بإسكانها، ويناسبه قراءة أبى عمرو وغيره بالبناء المفعول مفتوح الياء، والمملى الشيطان، أو الله عز وجل، على ما مر من التفسير، ويجوز أن يكون أمهل الله لهم الشيطان بجعله من المنظرين.