الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ }

{ أولئكَ } الأراذل المخاطبون قبل هذا، الذين ترك خطابهم ولو بالتوبيخ الى الغيبة، إيذاناً بأن قبائحهم أوجبت ترك خطابهم { الَّذين لَعنَهم الله } أبعدهم عن رحمته { فأصَمَّهم } عن استماع الحق لسوء اختيارهم { وأعْمى أبصارهُم } ابصار القلوب، عما يشاهدون من الآيات والدلائل النفسية والأفقية، ولم يقل أصم آذانهم، كما قال: { أعمى أبصارهم } ولم يقل أعماهم كما قال: " أصمهم " لأن الآذان لو أصيبت بقطع أو قلع لم ينقطع السمع، فلم يحتج الكلام الى ذكر الآذان والبصر، وهو العين المعبر بها عن بصر القلب، لو أصيب لم يكن النظر، فللعين مدخل فى الابصار، ولا مدخل للأذن فى السمع.

ويبحث بأن المراد بالأذن موضع السمع منه، ولو قطع لامتنع السمع، وبالبصر موضع الابصار منه، ولو أصيب لامتنع الابصار، ويجوز أن يقال لم يذكر الأذن، لأن الصمم يكفى عنه، بخلاف العمى فانه يطلق على عمى القلب، وعلى عمى العين حقيقة فيهما، أو مجاز فى القلب مشهور، فحسن تقييده، وفيه أنه قيد بالابصار، وهو صالح لبصر القلب وبصر الوجه، والمراد الأول معبر عنه باسم بصر الوجه، وقيل: العمى حقيقة فى بصر الوجه، وظهور اضمامهم فى أمر القتال أشد من ظهور عماهم فيه، فكفى شدة ظهوره فيه عن ذكر الأذن، وفى الآيات السابقة ما يؤذن بعدم انتفاهم بالدلائل المبصرة فى النفوس والآفاق، والرحم موضع الجنين من المرأة، سمى به القرابة لكونهم خارجين من رحم واحد، ويقال أيضا ذو رحم، وذوو رحم، ويقال أرحام وذوو أرحام.

ذكر بعض أن الرحم كل من يجمع بينك وبينه نسب، ويطلق فى الفرائض على الأقارب من جهة النساء، ويطلق أيضا على كل قريب ليس بذى سهم ولا عصوبة، وعدوا من ذلك أولاد الأخوات لأبوين أو لأب، وعمات لآباء، وقوله صلى الله عليه وسلم: " من ملك ذا رحم محرم عتق به شامل للأبوين والأجداد والأبناء وأبناءهم " وعتقوا اجماعا للحديث المذكور، واختلفوا فى غيرهم، والمذهب العتق، وذكر ابن حجر أن الأولاد من الأرحام، وعطف الأقربين على الوالدين يقتضى عدم دخولهما فى الأقارب، فلا يدخلون فى الأرحام، وحقهما واجب اجماعا، ومذهب الحنفية أن الوالدين والأولاد لا يدخلون فى القرابة والأرحام، فلو أوصى للأقارب أو اللأرحام لم يدخلوا، ودخل غيرهم الأقرب فالأقرب، ولكل مقام استعمال، فمن عبارة المذهب قول أصحابنا فى حقوق القرابة: الأرحام أو القرابة الى أربعة آباء، وقيل وقيل، وصحح بعض الحنفية دخولهم، وعلل عدم الدخول بأن القريب من يتقرب الى غيره بواسطة غيره، وتكون الجزئية بينهما منعدمة، وأدخل محمد صاحب أبى حنيفة الجد ولد الولد، وهو ظاهر قول أبى حنيفة وأبى يوسف صاحبه، وذكر أن الجدة كالجد.

السابقالتالي
2