الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ }

{ مَثَل الجنَّة الَّتي وعد المتَّقُون } صفتها العجيبة كبعض الأمثال الغريبة، وهو مبتدأ خبره محذوف، أى فيما يتلى عليكم مثل الجنة، أو فيما قصصنا عليك مثل الجنة، وقيل فيما يتلى عليكم ما تستمعون، وفسره بقوله عز وجل: { فيها أنهارٌ } وقدره بعض هكذا ظاهر فى نفس من وعى هذه الأوصاف، وقيل: الخبر هو قوله: { فيها أنهار } ولا تحتاج لرابط لأنها نفس المبتدأ فى المعنى أو الخبر، هذه المجملة، ومثل زائد أى الجنة فيها أنهار، وهو ضعيف، وقيل: الخبر { كمن هو خالد في النار } وانما لم يذكر الستفهام فى مثل الجنة لظهور أن من اشتبه عليه حال المتمسك بالبينة، وحال التابع لهواه، اشتبه عليه أن مثل الجنة الخ كمن هو خالد فى النار، وكأنه قيل: مثل ساكن الجنة، كمن هو خالد فى النار، كقوله:أجعلتم سقاية الحاج } [التوبة: 19] الخ.

{ مِن ماءٍ غير آسِن } متغير الطعم أو الريح لنحو طول المكث، والفعل كنصر ينصر، وضرب يضرب، وعلم يعلم، وهو لازم، ومن متعلق بمحذوف نعت لأنهار للبيان أو للتبعيض، أو للابتداء وكذا فى قوله: { وأنهارٌ من لبنٍ لمْ يتغيَّر طَعْمه وأنهارٌ من خَمْر لذةٍ للشَّاربين وأنهارٌ من عَسلٍ مُصفَّى } فى معانى من معنى من، وكون ما بعد النكرة نعتا لها، وتغير الطعم فى اللبن بالحموضة، وتغير الريح لا يفارق تغير طعام، أو شراب لذ، ويجوز كونه هنا مصدرا للمبالغة، كأنها نفس الالتذاذ، واحترز به عن كراهة ريح خمر الدنيا، والسكر بها وحموضتها، ولا لذة فى نفس شرب خمر الدنيا، ولذلك قيدها بلذة، ومعنى وصف العسل بالتصفية خلوصه من شمع وفضلات النحل وغيرها، وذلك شرب، وما يجرى مجرى الشراب.

وبدأ بالماء لأنه أفضل المشروبات لذة اذا احتيج اليه فى الدنيا، وتعالج به الأطعمة فيها، ولا يغنى عنه شراب، وهو يغنى عن سائر الأشربة، وأيضا هو مركب الطعام، وبه يسرى الطعام فى العروق، ثم باللبن لأنه يجرى مجرى الطعام، ولا سيما عند البدويين، ولأنه يتولد منه غيره كالزبد والسمن والأقط وغير ذلك، ثم بالخمر لأنه اذا حصل الرى والشبع تشوقت النفس إلى ما تلذ به، وأخر العسل لأنه شفاء، ولا مرض فى الجنة، وذلك الماء لم يمسه يد، ولا عالجت خروجه، بل يروى أنه يجىء الفم، وذلك البن لم يعالج بيد، ولا جرى من بين فرث ودم، وتلك الخمر لم تعصرها يد ولا رجل، ولا أصلها شىء عصر منه، وذلك العسل لم يجر من نحل، وكل ذلك خلقة من الله.

ومما ذكر فى الأخبار ما روى عن الكلبى: ان نهر دجلة نهر الخمر فى الجنة، وأن عليه ابراهيم عليه السلام، وجيحون نهر الماء فيها، ويسمى نهر الرب، والفرات نهر اللبن لذرية المؤمنين، والنيل نهر العسل، وفى البيهقى عن كعب الأحبار: النيل نهر العسل، ودجلة نهر اللبن، والفرات نهر الخمر، وسيحان نهر الماء فى الجنة، وعن كعب الأحبار: نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة، ونهر الفرات نهر لبنهم، ونهر مصر نهر خمرهم، ونهر سيحان نهر عسلهم، وهذه الأنهار تخرج من الكوثر كذا قيل، ولفظ مسلم عن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3