الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ }

{ ومَن أضلُّ ممَّن يدعُوا مِن دُون الله من لا يسْتجيب له } لا أضل من المشركين ولا يساوى لهم، لأنهم يعبدون أو يسألون حوائجهم من لا يجيب لهم بكلام ولا بقضاء حاجة، ويتركون القادر المجيب، أو لا مساوى لهم، فان استعمال مثل هذا فى المساواة مستمعل وارد معقول، فاذا انتفت المساواة انتفت الزيادة، لأن الزيادة تعتبر بعد ثبوت المساواة تحقيقا أو حكما ولو فى دفعة { إلى يَوم القيامة } موت الناس دفعة، أو البعث من القبور، وهكذا فى غير هذا المحل بحسب الامكان، ووجهه أنه من حيث يموت الناس كلهم، يعد الزمان نوعا واحدا الأحياء فى بعضه موتى، وفى بعضه يبعثون، وحد نفى الاستجابة بيوم القيامة لها أبدا، إذ حدها بوقت لا يتوهم إن ثبتت فيه كقولك: لا أكلم عمرا ما دمت حيا، فبعد الموت أيضا لا تكلمه، وذلك مما يفهم بالأولى، ومن باب التنبيه بالأدنى على الأدنى، وقيل: فى مثل ذلك انه عبارة عن التأييد، ومن ذلك قوله عز وجل:حتى جاءهم الحق } [الزخرف: 29] وإنَّ عليك لعنتي } [ص: 78] الخ وخالدين فيها ما دامت } [هود: 107] الخ، وقولهم: لا اكلمك ما دام ثبير، وما تقدم أولى، وهو أنه من باب المفهوم.

والقول الثانى نص فى أنه منطوق، وذلك فى الغاية الموافقة لما قبل، كما فى الآية، والأمثلة، وقد اختلف أيضا فى المخالفة الجمهور على أنها مفهوم وغيرهم على أنها منطوق، وادعى بعض أن أهل اللغة على أنها موضوع للمخالفة مثل:ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } [البقرة: 221] وحتى تنكح زوجاً غيره } [البقرة: 230] وحتى يطهرن } [البقرة: 222] والصحيح مذهب الجمهور، وما من المخالفة انما هو بمعاونة المقام، واذا قيل: أكرم زيدا حتى يستغنى، يحتمل أنه يجوز اكرامه بعد الاستغناء، سواء كان هذا الأمر للايجاب أو للندب، واذا وصف الاصنام بما للعقلاء من استشعار الاستجابة وتركها، واستشعار التنبيه للشىء وتركه، والغفله عنه عبر عنها بما للعقلاء، من لفظ من، والو وهم جمع المذكر السالم، وفى وصفهم بالغفلة، وترك الاستجابة تهكم.

{ وهُم عَن دعائهم غافلون } استعار لفظ الغفلة التى من شأنها أنها من المدرك لعدم الشعور على الأصلية، واشتق منه غافلا على التبعية، والجامع عدم والادراك المطلق، والجمع لمراعاة معنى من بعد مراعاة لفظها ولفظ العقلاء مجاراة لهم فى شأن أنهم يحسبون الأصنام كالعقلاء، أو تغليبا لمعبود له عقل كالملائكة والجن المعبودين، واذا اعتبرناهم فغفلتهم تارة كغفلة الأصنام إذ غابوا عن العابدين، كما لا يسمعها عيسى فى السماء، وتارة على أصلها، إذ حضروا وذهلوا، وتارة ينزلون منزلة الذاهل إذ حضروا وعلموا وكرهوا، أو شغلتهم العبادة عن السمع.

وقد يحضر الجنى ويرضى كأنه كلا عبادة ولا سؤال، وكذا ميت عبدوه فانه لا شعور له، كعزير، فقول جمع بين الحقيقة والمجاز، أو نحمل الكلام على عموم المجاز وهم وغافلون للمعبودين، وهاء عبادتهم للعابدين، من اضافة المصدر للفاعل، والمفعول محذوف، أو لمعبودين من اضافة المصدر للمفعول، وقيل: المعنى ان العابدين غافلون عن كون عبادتهم من لا يستجيب، لا تنفع، وهو خلاف الظاهر.