الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

{ ولقَد مكناهم } أثبتناهم اثباتا شديدا { فيما } فى الأموال وقوات الأبدان وطولها وعرضها، وطول الأعمار التى { إن مكَّناكم فيه } لم نمكنكم فيه يا معشر قريش، فما اسم موصول، وان حرف نفى، ولم لا تدخل على الماضى، ولا النافية، لا تدخل فى الاخبار على الماضى بلا تكرير، ولو نفى بما لثقل اللفظ بتكرر لفظ ما، وقد كان أصل مهما ما، ما أبدلت ألف ما الأولى هاء دفعا للتكرير، وذلك لكونه أبلغ فى التوبيخ والحث على الاعتبار.

ودلالة مواضع من القرآن عليه كقوله تعالى:مكناهم فس الأرض ما لم نمكن لكم } [الأنعام: 6] أولى من جعل أن شرطية محذوفة الجواب، تقديره طغيتم أو زدتم طغيانا، وأجيز كون أن صلة، وفيه بُعد لأن قريشا لم يمكنوا تمكين عاد لا قوة ولا عددا ولا مالا، ولو قدر مضاف، أى فى مثل ما مكناكم فيه لانتفاء المقاربة، اللهم الا أن يريد المماثل فى جنس القوة والعدد والمال، ولو تفاوت ذلك جدا، وفى الأول السلامة من الحذف والزيادة، وفي الموافقة للآى الأخر، فهو أولى وأصح.

{ وجَعَلنا لهم سَمْعاً } أفرده لأنه مصدر صالح للقليل والكثير، ولاتحاد المسموع من الرسل وهو التوحيد وتوابعه، وما لا يختلف فى الأمم، ولاتحاد مدرك السمع وهو الأصوات { وأبْصاراً } عيونا { وأفئدة } ليستعملوا ذلك فيما خلق لأجله من الادراك والاعتبار والتفكر والاستدلال علىالله تعالى، وشكر نعمه.

{ فما } نافية { أغْنى عَنْهم سَمْعُهم } من الرسل ونوابهم، إذ لم يؤمنوا بما سمعوا من وجوب وتحريم وغيرهما، ووعظ فلم يعملوا، ومثلهم من آمن ولم يعمل { ولا أبصارهم } اذ لم يتأثروا بعنوان الأشياء التى أبصروها { ولا أفئدتُهُم } إذ لم يؤمنوا، بها، ولم يستعلموها بالفكر، ولم يقل فما أغنت من شىء بضمير مفرد مؤنث بتأويل الجماعة عائدا الى السمع والأبصار والافئدة، لتأكيد الأمر { مِن شىء } من صلة للتأكيد وشىء مفعول مطلق، أى شيئا من الاغناء كأنه قيل اغناء ما، واجيز أن يكون غير صلة، بل تبعيضية أى بعض اغناء، وأن تكون ما استفهامية انكارية، والاستفهام كالنفى تجوز زيادة من بعده { إذْ } متعلق بما النافية تعليل للنفى المستفاد منها، واذا التعليلية حرف تعليل عند بعض، والواضح أنها ظرف، والتعليل مستفاد بما بعدها، كتعليق الحكم بالمشتق المؤذن بالعلية، وكتعليقه بالصلة نحو: أكرم من يأتيك أى لإتيانه، وأكرم زيدا اذا جاءك أى لمجيئه.

فهنا انتفى الاغناء عنهم وقت جحودهم أى للجحود الواقع فى الوقت، وعلى هذا فليست اذ موضوعة للتعليل، وهى على حقيقتها لا مجاز ولا كناية، كما قيل بهما { كانُوا يَجحدون بآيات الله } الباء صلة فى مفعول يجحد من قوله تعالى: { يجحدون } أو غير صلة على تضمين يجحد معنى يكفر، والمراد الآيات المتلوة وجحودها نفى أن تكون من الله عز وجل، ويبعد أن يراد الآيات التكوينية من سائر العالم بمعنى جحود أن تكون أدلة عليه تعالى، أو مع المتلوة { وحاق بِهِم ما كانُوا به يستهزئون } العقاب الذى استحقوه باستهزائهم واستعجالهم به فى قولهم:فَأْتِنا بما تعدنا إنْ كنت من الصادقين } [الأحقاف: 22].