الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ }

{ فلمَّا } عطف على محذوف مستأنف، أى أتاهم، فلما الخ، أو محذوف معطوف أى فأتاهم فلما { رأوه } بأبصارهم، والهاء والمستتر فى أتاهم المقدر لما فى قوله:بما تعدنا } [الأحقاف: 22] والذى رأوه لم يروه على أنه الموعود به، لأنهم أنكروا الموعود، وانما هو موعود عند الله، وباعتبار أنه سيعلمون أنه اذا نزل علموا أنه الموعود يصدق الموعود به عندهم لأنه سيكون هو الموعود به عندهم، أو الضميران مبهمان مفسران بقوله { عارضاً } حال باعتبار أصله من الوصفية، أو تمييز باعتبار تغلب الاسمية عليه، فانه السحاب الذى فى أفق السماء، سمى لأنه يعرض، لكن تفسير الضمير بما بعده مخصوص بأبواب، وليس منها تفسيره بالحال والتمييز، ولا مانع من اطراده مطلقا باعتبار نكتة الابهام، ثم البيان، ولا مانع من أن عرضا بدل، فقد فسر بالبدل.

{ مُسْتقبل أوْديتهم } اضافة مستقبل لفظية، لأنه وصف للحال، اضافته للمعرفة لا تفيد التعريف، فصح نعت النكرة به، وهى عارضا، كأنه منون ناصب لما بعده على المفعولية، والمفرد وادٍ، وجمع فاعل الذى هو غير وصف على أفعلة شاذ قياسا، فصيح استعمالا حيث ورد، فان واديا وصف تغلب عليه الاسمية، وكذا نادٍ لمعنى مجمع القوم، وجائزة للخشبة الممتدة فى أعلى السقف، تعتمد عليه خشب، وأصلهما وصف سمع أندية وأجوزة { قالُوا هَذا عارضٌ } سحاب { مُمْطِرنا } نعت للنكرة، لأنه وصف للاستقبال، كأنه منون ناصب لما بعده على المفعولية، وليست اضافة مثل ذلك مجازا كما قيل: لأن باب التقييد واسع، يقول ممطرهم لا ممطر غيرهم، والأصل يمطرهم،ثم كان المعنى بالاضافة أنه ممطر لهم، كما تقول: غلام زيد، وغلام له، فان مكرمك شخصه نسبته أنه لك بالاكرام، فانه ولو لم يفد فائدة زائدة على ما قبل الاضافة، لكن تجدد له معنى آخر معتبر بالاضافة، فلا تقل كما قيل لما لم يفد فائدة زائدة عد كأن اضافته كلا اضافة.

{ بلْ هُو ما اسْتعجَلْتم به } من العذاب أى قال هود: بل ذلك العارض هو ما استعجلتم به، كما قرأ بعض قال هود: بل هو الخ، وقدر بعض: قل بل هو الخ كما قرأ به بعض وذلك أنه لم يخاطبهم بذلك فى زمان، القرآن، ولا هو من كلام قوم هود القائلين: { هذا عارض } فاحتجنا الى التقدير، وقدر بعض قال الله: { بل هو } الخ ولا بأس لأن المراد قال الله فى ذلك الزمان، وبل على كل حال للاضراب الابطالى { ريحٌ } بدل من ما أو خبر لمحذوف، أى هو ريح، أو هى ريح بتأنيث الضمير لتأنيث خبر، لأن الريح يؤنث ويذكر، أو بدل من هو على أن هو خبر مقدم، وما مبتدأ، والواضح ما مرّ، ولفظ هو مبتدأ وما خبر، والتنكير للتعظيم، ويقال تقطع الريح المعتدلة فى ساعة نحو فرسخ، والمتوسطة نحو أربعة فراسخ، والقوية نحو ثمانية فراسخ، وما هى أقوى نحو ستة عشر فرسخا، وما هو أقوى منها، وتسمى العاصف نحو سبعة عشر فرسخا، وما فوقها، وتسمى المؤتفكة نحو تسعة وعشرين فرسخا، وأكثر ما قيل: ستة وثلاثين فرسخا، ونعت الريح بقوله: { فيها عَذابٌ أليمٌ } وبقوله:

{ تُدمِّر } تهلك { كُلَّ شىءٍ } أمرت بتدميره وهو نفوسهم وأموالهم، كما قيد فى آية أخرى بقوله: أتت عليه، وقد يفيد ذلك التقييد قوله عز وجل: { بأمر ربِّها } على معنى بحسب ما يأمرها الله باهلاكه، لا كل شىء مطلقا، بل أنفسهم وأموالهم الا المساكن، كما قال عز وجل: { فأصْبَحوا } أى صاروا، وذلك على انه أهلكوا نهارا، وإن أهلكوا ليلا فأصبحوا، أو فأتت الريح فدمرتهم فأصبحوا { لا يرى } يا محمد أو يا من يصلح للرؤية لو كنت فى ذلك الزمان، وفى ذلك المكان.

السابقالتالي
2