الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

{ والَّذي قال لوالديْه } حين دعواه الى الايمان بالله ورسوله والبعث، وهو مبتدأ خبره أولئك الَّذين حق عليهم القول، والمراد جنس من نازع أبويه فى الاسلام، والبعث بدليل الاخبار عنه بأولئك الذين حق عليهم الخ، والمراد العموم، ولو نزلت فى واحد فقيل هو عبد الرحمن ابن أبى بكر، نازع أبويه فى الاسلام والبعث، ثم أسلم، وبه قال ابن عباس، وكان من الصحابة، وكان له غناء يوم اليمامة وغيره والاسلام يجب ما قبله، ولا يعارض ذلك بقوله تعالى:أولئك الذين حق عليهم القول } [الأحقاف: 18] الخ فانه غير شامل له، لأن الحكم على الجنس لا يستغرق أفراده، فهذا كسائر ما نزل من القرآن فى كفار قريش، ثم يسلم بعض، فلا يشمله حكم السوء، ولو كان هو سبب النزول، وذلك أولى من تقدير بعض فى قوله تعالى: { أولئك الذين } صنف هذا المذكور.

وكذا قال السهيلى نزلت فى عبد الرحمن بن أبى بكر، فان قاعدة القرآن أن لا يقال لمشرك: انه حق عليه القول الا من قضى الله عليه أن سيموت مشركا، كان يدعوه أبواه الى الاسلام فيأبى ويقول: أحيوا لى عبد الله بن جدعان، وعامر بن كعب، ومشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون ثم أسلم وكذا تأخر اسلام جده أبى قحافة، وكذا قال مروان: نزلت فى عبد الرحمن بن أبى بكر، فقال له: ألست الذى قال لوالديه أف لكما الخ، فأجابه عبد الرحمن: ألست الذى لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباك وأنت فى صلبه، وليست الآية فىَّ، وقالت عائشة لمروان ثلاثا: كذبت، والله ما نزلت فيه، ولو شئت لسميت من نزلت فيه.

ويروى أنه كتب معاوية الى مروان ليأمر الناس بالبيعة ليزيد، فخطب فأمر له بالبيعة، فقال عبد الرحمن: لقد جئتم بها هرقلية، أتبايعون بأبنائكم؟ فقال مروان: يا أيها الناس، هذا الذى قال الله فيه: { والذي قال لوالديه أفٍ لكما } وسمعت عائشة، وقد التجأ اليها عبد الرحمن، فنجا وقد قال: خذوه، وغضبت وقالت: من وراء الحجاب: والله ما هو به، ولو شئت لسميته، ولكن الله تعالى لعن أباك وأنت فى صلبه، فأنت فضض من لعنة الله، ما أنزل الله تعالى: فينا شيئا من القرآن الا ما أنزل الله فى سورة النور من براءتى، وقيل: الآية فى كل كافر عاق لوالديه، وقيل فى كل من دعاه أبواه الى الاسلام فأبى، قال بعض: وهو الصحيح، واللام فى قوله:

{ أفٍّ لكما } لبيان من أفف له { أتَعِدانني أن أُخْرج } من قبرى حيا بعد موتى { وقَد خَلَت } مضت، والواو للحال { القرون من قَبْلي } موتى، ولم يخرج منهم أحد ولو خرج أحد الآن لعلمنا أنهم يخرجون فى اليوم الذى تقول: انهم يخرجون فيه، وقيل: المعنى وقد خلت القرون من قبلى على التكذيب بالبعث، وأنا على ما مضوا عليه، وهذا استدلال على انكار البعث { وهُما يَسْتغِثانِ الله } يدعوان برغبة ولهف أن يوفقه الى الايمان، أو يلتجئان الى الله أن يعصمهما من كفر ولدهما وعذابه { ويْلَك آمِن } بالبعث { إنَّ وعد الله حَقّ } مفعول لحال محذوفة من ألف يستغيثان مقدر، لأن وقت الاستغاثة غير نفس وقت الحال، بل بعده، وان شئت فقل مقارنة لتقارب الوقتين، كأنهما وقت واحد، تقديرها قائلين: " ويلك آمن " الخ وان شئت فقل مقارنة بوجه آخر هكذا متصفين بهذا القول، بقطع النظر عن كونه ماضيا أو آتياً، أو قدر القول مرفوعا خبرا ثانيا، أى قائلان، أو يقولان: " ويلك آمن إن وعد الله حق ".

السابقالتالي
2