الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }

{ ووَصينا } التوصية والايصاء التقدم الى أحد بما يعمل به، مقترنا بوعظ وتأكيد { الإنسان } الجنس او الاستغراق حتى يشمل الصبيان، فانهم موصون بالأعمال الصالحة، ويثابون عليها، ولا يعاقبون على شىء، وكل طاعة أمر بها أو معصية نهى عنها فان الطفل داخل فيها إلا أنه لا يسمى فعله فسقا أو كفرا أو فحشا، ووجه دخوله أن الأمر يكون للندب، كما يكون للوجوب فقد يجوز الجمع بينهما بلفظ واحد، فيدخل الطفل، فيكون فى حقه للندب، وفى حق المكلف للوجوب، وكذا المحروم هو كراهة فى حق الصبى، وهذا أولى فى الزجر والمحافظة على حقوق الوالدين، والمتبادر الجنس، وكثير ما يكون الشىء عاما، والمقام ليس لذكر الاستغراق، فيحمل على الجنس.

{ بوالديْه } أبيه وأمه، ولو مشتركا اذا حكم الشرع بالشركة فى الولد { إحْساناً } اسم مصدر هو الاحسان مفعول به لوصينا لتضمنه معنى ألزمنا أو مفعول مطلق لتضمن حسنا معنى، وصينا أو وصينا معنى أحسنا أى احسنا بالوصية للانسان بوالديه احسانا أو لتقدير وصينا الانسان ايصاء ذا حسن، وقيل: وصينا الانسان أن يحسن بوالديه احسانا، ولا يعلق الجار بحسنا بعده، لأنه مصدر مقصود به، أن والفعل، وأما قوله تعالى:ولا تأخذكم بهما رأفة } [النور: 2] فليس على معنى لا يأخذكم بهما أن ترأفوا فيجوز التعلق به، وأمافلمَّا بلغ معه السعي } [الصافات: 102] فمع متعلق ببلغ، والقاعدة التصرف فى الظروف والجار والمجرور لاحتياج الأشياء اليها، فيقاس فيما لا ينحل الى حرف المصدر والفعل، ويتوقف مع السماع فيما ينحل، واذا عدى الحسن بالباء فهى للالصاق، والآية نزلت فى الصديق رضى الله عنه، الى " يوعدون " أسلم هو وأبواه كابن عمرو، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وإنما أسلم والد أبى بكر بعد الفتح والآية مدنية، وقد قيل: قوله تعالى: { رب أوزعني } الخ بالنسبة الى أبويه دعاء بتوفيقهما للايمان.

وروى أن أبا بكر صحب النبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانى عشرة سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين فى سفر الى الشام فى تجارة، فنزل تحت سمرة فقال له الراهب: انه لم يستظل بها أحد بعد عيسى غيره صلى الله عليه وسلم، فوقع فى قلبه تصديق الراهب، فلم يكن يفارق النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر، ولا حضر، فلما بعث صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة آمن به، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، ولما بلغ أربعين قال: { رب أوزعني } الخ.

{ حملتْه أمُّه كرهاً } ذات كره، أو حملا ذا كره أو مكروها لا بالذات بل من حيث المشقة، فانها فى المشقة من حين ينتن فى البطن، وصار علقة الى أن يولد، وذلك مشقة النتن، ومشقة كراهة بعض الأطعمة وثقله وتحركه { ووضَعتْه كرهاً } لمشقة الولادة، ويقال أيضا بضم الكاف كما هو قراءة بعض، ومعناهما واحد، وقيل المفتوح مصدر بمعنى الحدث، والمضموم اسم للحاصل من المعنى المصدرى، وقيل: المفتوح المشقة التى تنال الانسان من غيره باكراه، والله سبحانه وتعالى قهرها على الحمل والولادة الشاقين، والكره ما يناله من ذاته، وهو ما يعافه بالطبع والعقل أو الشرع.

السابقالتالي
2 3 4