الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }

{ أفرأيْتَ } أنظرت فرأيت، والاستفهام تعجيب من ترك الهدى الى الهوى { من اتخذ إلهه هواه } من موصولة مفعول به، أول، والثانى جملة محذوفة معلق عنه، أى أيهتدى يقدر بعد قوله: { غشاوة } يدل عليه قوله:فمن يهدي من أضل الله } [الروم: 29] أو يقدر يهتدى بلا همز، فلا تعليق، ومعنى أرأيت أخبرنى لأن رؤية الشىء سبب للاخبار به وتسمية الهوى إلها تشبيه بليغ على المشهور، أو استعارة على مختار السعد فى نحو زيد أسد، والآية نزلت قال الكلبى فى الحارث بن قيس السهمى: كان لا يهوى شيئاً إلا فعله، قال ابن عباس: أفرأيت من اتخذ دينه ما يهواه فلا يهوى شيئا إلا ركبه، لأنه لا يهوى شيئا إلا ركبه، لأنه لا يؤمن بالله ولا يخاف، ولا يحرم ما حرم الله، وقيل اتخذ معبوده ما تهوى نفسه يعبد صنما من ذهب أو فضة أو حجر أو غيره، فاذا رأى شيئا استحسنته نفسه عبده وترك غيره.

ويروى أنه ما عبد إله فى الأرض أبغض من الهوى، قال ابن عباس: ما ذكر الله الهوى إلا ذمه، قال وهب بن منبه: اذا شككت أى أمرين فانظر أبعدهما عن هواك فهو الخير، قلت: فان كانا شرين فأقربهما الى هواك هو أشر من الآخر، وقال سهل التسترى: هواك داؤك، وان خالفته فدواؤك، أى فمخالفته دواؤك منه، قلت تضمن أن حضور الهوى داء، فان اتبعته فقد حققته، قال صلى الله عليه وسلم: " العاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله " ويروى: " وتمنى على الله الأماني " وأحاديث الهوى وآياته وأخباره كثيرة، وهو غالب مع كثرتها، لأنه ملائم للنفس وهى عدو من داخل وأعوانه. كثيرة من الجن والانس.

{ وأضلَّه الله } خذله أو خلق فيه الضلال، أو خلقه ضالا، كل ذلك بلا إجبار، بل باختياره ولو كان اختياره مخلوقا من الله تعالى: وكفى فى عدم الإجبار ما يجد من نفسه أنه قادر على الفعل والترك { عَلى عِلْمٍ } حال من المستتر، أى ثابتا على علم بأنه أهل للاضلال، أو من الهاء أى ثابتا على علم بطريق الرشاد، كقوله تعالى:فما اختلفوا إلاَّ من بعد ما جاءهم العلم } [الجاثية: 17]وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون } [التوبة: 115] { وختم عَلى سَمْعه } فلا ينتفع بما يسمع، وقدم السمع لأن المقام لسماع الوحى، فيصل من الأذن الى القلب، والتذكير بالأجسام المبصرة رتبته دون التذكر بالوحى { وقَلْبه } فلا يتأثر بالمواعظ لإهماله التفكر { وجَعَل عَلى بَصَره } عينى وجهه { غشاوة } مانعة من الاعتبار والاستبصار، فكأنه أعمى لا يرى شيئا، فهو كفاقد السمع والقلب البصر { فَمن يَهْديه مِن بَعد الله } بعد إضلال الله إياه، فيفهم منه أنه لا يهديه الله، وأما تفسيره بلا يهديه غير الله فلا { أفَلا تذكَّرون } أتلاحظون فلا تتذكرون.