الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } * { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

{ ولقَد آتيْنا بني إسرائيل الكتاب } المعهود لهم وهو التوراة المشتملة على الأحكام الكثيرة، ويقال: لم يتسع لنبى فقه الأحكام ما اتسع لموسى عليه السلام، وقلت الأحكام فى الانجيل، وأكثر أحكام عيسى من التوراة، وأما الزبور فأدعيه ومناجاة، والصحف مواعظ، ولا مانع من أن يراد بالكتاب الجنس الشامل لذلك كله لأنها كلها لأنبياء بنى اسرائيل يمتن الله تعالى بها عليهم، وأحكام القرآن كثير، وباعتبار ما يستخرج منه العلماء تكون أكثر مما فى التوراة { والحُكْمَ } القضاء بين الناس، وكان المُلْك فيهم أو الفقه فى الدين، أو الحكم النظرية الأصلية والعملية الفرعية { والنبوة } ما كثرت النبوة والرسالة الا فيهم { ورزقناهُم مِن الطيِّبات } أعطيناهم الرزق الطيب وأنزلنا عليهم المن والسَّلوى { وفضلناهم على العالمين } كلهم من حيث كثرة النبيين والكتب والمعجزات، لا من كل وجه، فان هذه الأمة أفضل من حيث إن نبيها أفضل الأنبياء، وكتابها أفضل الكتب، تشهد بذلك أنبياء اسرائيل وكتبهم، ومر كلام فى مثل هذه الآية، وذلك كما قال الله عز وجل:

{ وآتيناهم بينات من الأمْر } قال ابن عباس: من أمر النبى صلى الله عليه وسلم، وعلامات مبينة لصدقه عليه الصلاة والسلام، ككونه يهاجر من مكة الى يثرب، ويكون أنصاره أهلها، والآيات الدلائل الظاهرة فى أمر الدين، ومن بمعنى فى، وشملت معجزات موسى عليه السلام، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبعض شأنه، وفسرها بعض بمعجزات سيدنا موسى عليه السلام { فَما اخْتَلفوا إلاَّ مِن بعْد ما جاءهم العِلم } فى كتابهم بحقيقة الحال، فجعلوا ما هو موجب لعدم الخلاف موجبا لرسوخ الخلاف، ومن ذلك الباب أنهم كانوا مؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بعث وأنزل عليه الكتاب أنكروه، وقل من آمن منهم، فذلك اختلافهم، أو المراد أنهم خالفوا على أنه لم يعتد بمن آمن لقتله، ووجه الرسوخ قوة دلائل التوراة، وما كفروا معها إلا رسوخ كفرهم، فيجوز أن يكون العلم القرآن وهو أولى فى تسبب كفرهم، أو المراد كتبهم والقرآن.

{ بغْياً } عدواة وحسدا لا شكا فى التوراة أو فى القرآن، وما زالوا فى ذلك حتى رسخ الانكار فيمن بعدهم، ولم يذعنوا فى قلوبهم وألسنتهم، حتى كانوا مثل مشركى العرب، ومن لا كتاب له، والآن قل من يقول: محمد رسول العرب، أو رسول الله من لا كتاب له وكذبوا، بل رسول الى الناس كلهم، قال صلى الله عليه وسلم: " لو كان أخي موسى حياً لم يسعه إلاَّ اتباعي " { إنَّ ربَّك يقْضي بيْنَهم } بالجزاء { يَوم القيامة فيما كانُوا فيه يَخْتلفون } من أمر الدين فيثيب المحق، ويعاقب المبطل كالمجسمة منهم، ومُحرفى التوراة، ومنكرى عيسى والانجيل، وسيدنا محمد صلى الله عليهما وسلم، والقرآن.