الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ } * { طَعَامُ ٱلأَثِيمِ }

{ إنَّ شَجرة الزقُّوم } أى الشجرة المسماة بالزقوم أو النابتة بمائع فى جهنم، لو قطرت منه قطرة فى الدنيا لأفسدت طعامها وشرابها وانتنتها، شجرة صغيرة الأوراق، كريهة الرائحة ذات لبن يتورم ما أصاب من الجسد { طَعَام } أصله مصدر، ولذلك أخبر به عن المؤنث أخبر به لأن شجرة كالزائد، وكأنه قيل: ان الزقوم طعام الأثيم، كما قال الشاعر:
إنارة العقل مكسوف بطوع الهوى   
أى أن العقل مكسوف، وأولى من ذلك أن يقال: ان الجوامد لا تغير غير الاشارة والموصول تقول: بغيتى العلم، والعلم بغيتى بلا تأويل { الأثيم } عظيم الاثم وكثيرة، وهو المشرك، لأن الكلام فى المشركين قبل، ولقوله بعد:إنَّ هذا ما كنتم به تمترون } [الدخان: 50] وليس المراد بالأثيم خصوص أى جهل كما قيل عن سعيد بن جبير، ولا خصوص الوليد كما قيل فضلا عن أن يقال ان غيرهما يؤخذ من خارج، بل الآية نفسها تعمهما وتعم غيرهما، ولا يقدح فى العموم ما قال سعيد بن منصور، عن أبى مالك: ان أبا جهل كان يأتى بالتمر والزبد فيقول تزقموا فهذا الزقوم الذى يعدكم به محمد صلى الله عليه وسلم، فنزلت: { إنَّ شجرة الزقوم طعام الأثيم } لأن المعتبر عموم اللفظ لا خصوص سبب النزول.

وكان ابن مسعود يقرىء رجلا طعام الأثيم، ولم يطاوعه لسانه إلا أن يقول اليتيم بدل الأثيم، فقل له ابن مسعود، أتستطيع أن تقول طعام الفاجر؟ قال: نعم، قال: فقل طعام الفاجر، رواه عوف بن عبد الله، وروى الحاكم عن أبى الدرداء مثله، وابن مردويه عن أبى أنه كان يقرىء فارسيا فأبى لسانه إلا اليتم، فمر به النبى صلى الله عليه وسلم فقال له: " قل طعام الظلام " وعن أبى بكرة، عنه صلى الله عليه وسلم: " القرآن كله كافٍ شافٍ ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب برحمة " قلت أما خبر ابن مسعود وأبى الدرداء وأبى فلعل المراد قراءة معنى لا قراءة الكتاب المنزل، كما كثر فى السن الصحابة قراءة القرآنه بالتفسير للمعنى لا للتلاوة، أو أرادوا أن يقرأ اللفظ بالبدل تفسيرا ليتدرج منه الى قراءتها بلفظ النزول اذا فهم المعنى.

ويشبه هذا ما وقع لى مرارا يقرأ التلميذ لفظا بالعربية فلا أسمعه لضعف السمع أو للكنة فى لسانه، أو لعجمة منه، أو اخفاء فيعيده لى هو أو أحد بلغتى، أو بلفظ عربى، فيخطر فى نفسى نفس اللفظ الذى قرأه، وأمّا حديث أبى بكرة فلعله فى الصلاة مثلا أو غيرها بلا عمد، فيريد أنه لا فساد لصلاته بذلك، ولا اثم، بل ثواب كما يشاهد ممن لا يحفظ القرآن يقرأ غفورا رحيما بدل عليما حكيما أو نحو ذلك، أو كانت الاباحة حين قل الكتاب والضباط، ثم نسخ، قال أبو عمر بن عبد البر، والباقلانى وغيرهما، ان فعل ذلك صحابى أو أباحه بعده صلى الله عليه وسلم فلعله لم يصله النسخ، واذا لم يجز ابدال كلمة عربية بكلمة عربية، فأولى أن لا يجوز بكلمة عجمية، وشهر عن أبى حنيفة اجازته، وصحح عنه بعض محققى مذهبه خلاف الجواز.