الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ }

{ إنْ هِي } أى الموتة التى تعقبها حياة { إلاَّ مَوتتُنا الأولى } هى انتفاء عنهم حين كانوا نطفا فى بطون أمهاتهم، حتى ينفخ فيهم الروح، وأما الموتة بعدها فلا يعقبها حياة، فلا بعث ولا ثواب ولا عقاب كما قال: { وما نَحْن بمُنْشَرين } بمبعوثين، ورد الله عليهم بقوله:وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم } [البقرة: 28] فسمى الله ما قبل نفخ الروح فى الجنين موتة، والمعهود الموتة التى تعقبها، فهىالمراد فى كلامهم، ولا يعارض ذلك قوله تعالى:لا يذوقون فيها الموت إلاَّ الموتة الأولى } [الدخان: 56] لأن الأولى فى هذه الآية الموت بعد الحياة الدنيا، بدليل يذوقون، وموت ما فى البطن قبل النفخ لا يسمى ذوقا، إذ لا ضر فيه على الجنين، وانما سميت الأولى باعتبار تصور موتة ثالثة، فان الشىء الثانى أول باعتبار الثالث، والثالث أول باعتبار الرابع، ولا يخفى أن الأولى تشعر بالثانية، والأول يشعر بالثانى، فان وجد ذلك تحقيقا فهو الأصل، ولا اعبر حكما وفرضا.

ولنا تأويل آخر هو أنهم يحيون فى القبور، ويعذبون ويموتون أربعين عاما اذا قامت القيامة، ثم يحيون بالبعث، سمعوا هذا فأنكروا أن يموتوا موتة البرزخ، وأن يحيوا قبلها فى القبور، ويبعثوا فقالوا: الأولى ثابتة، والثانية التى تدعونها بعدها حياة باطلة، واذا قال: هذا أول مال اكتسبته، ولم يكسب ثانيا حين قال ذلك أولا بعد ذلك أيضا، فانما قال ذلك باعتبار قصده الى أن يكسب ثانيا، أو فرض كسبه، ولولا ذلك لم يسمه أولاً، ولا يقال حج عمر، والحجة الأولى، ومات مطلقا، بل بقيد أن يقصد الثانية، أو تعتبر له ولو بالنفى مثل أن يقال ثانيته لم تكن كقولك حج حجة لم تكن بعدها أخرى، أيضا ولو باعتبار غيره ممن له ثانية.

فان قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فعبدى حر، عتق عبده بولادة ذكر، ولا ينتظر به أن تلد آخر ذكرا أو أنثى، وما ذلك إلا باعتبار صورة أخرى، هى أن تلد أنثى أولا، ثم ذكرا بعد، وبهذا المثال توهم الفارسى أنه لا يشترط للأول ثان حتى ادعى الاتفاق عليه، وأن الموتة الأولى فى الآية الموت فى الدنيا مع أنه لا ثانية بعدها، وليس كما قال، مع أن هذا المثال لا يقبل حى يصح ورود مثله فى كلام العرب، وأما الحكم الشرعى، فالسؤال عن قصد المتكلم به، فان: قصدت ولادة الذكر بلا سبق أنثى حكم بالعتق، وإلا فلا عتق حتى تلد آخر، والإ لزم أن كل فعل مخصوص يسمى أولا ولو بدون اعتبار سبق من فاعله، وهذا كالعبث، مثل أن يقرأ سورة الاخلاص مرة فتقول: هذه أول مطلقا بلا قصد منك لا منه ثانيه، ولا قصور فى هذا، وأسهل من ذلك أن المراد بالأولى مطلق التقدم، وأطلق المقيد وهو ما له ثان، وأراد المطلق وهو المتقدم.