الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }

{ والَّذينَ اسْتجابُوا لربِّهم وأقامُوا الصَّلاة } يحتمل العطف على الذين الأول أو الثانى، وأن المراد بهما وبالأول قوم واحد تنزيلا لتغاير الصفات منزلة تغاير الذوات فساغ العطف، كأنه قيل للجامعين بين الإيمان والتوكل على ربهم، واجتناب الكبائر والفواحش، والغفران إذا غضوا، والاستجابة لربهم، واقامة الصلاة، وقيل: المراد بالذين استجابوا الأنصار رحمهم الله، مدحهم الله تعالى بسرعة إجابتهم لرسول صلى الله عليه وسلم، عطف خاص على عام، والآية مدنية، ولا إشكال، أو مكية فى أصحاب العقبات الثلاث، أو فيمن آمن فى المدينة قبل الهجرة { وأمْرهُم شُورى بيْنَهم } عطف اسمية على فعلية، وأمرهم شأنهم كما تقول: شأنى الكرم والعفو، وان أريد المتشاور فيه من القضايا، فالاخبار عنه بالشورى مبالغة، فان الشورى اسم مصدر كالبشرى، أو يقدر ذات شورى، والاضافة للجنس لا للاستغراق، ولا لفرد معهود، فهم يتشاورون فيما يستحق التشاور.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أراد أمرا فتشاور فيه وقضى هدى لأرشد الأمور " رواه البيهقى، وعن الحسن: " ما تشاور قوم قط إلا هدوا وأرشد أمرهم " وكان النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة يتشاورون فى أمر الحرب، وفى الأحكام التى لم تنزل كقتال أهل الردة، وميراث الجد، وعدد حد الخمر وغير ذلك، مما لا نص فيه من الله تبارك وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم أسخياؤكم، وأمركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، واذا كان أمراؤكم أشراركم، وأغنياؤكم بخلاؤكم وأمركم الى نسائكم فبطن الأرض خير لم من ظهرها، ففى الشورى على وجهها صلاح الدنيا والدين، وفى تركها وأيقاعها على غير وجهها فسادهما كمشاورة النساء، وغير العاقل.

قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا " قال على: يا رسول الله ينزل الأمر بعدك لا قرآن فيه ولا حديث عنك، قال: " اجمعوا له العباد واجعلوه بينكم شورى، ولا تقضوه برأى واحد " يعنى مما لا يحتاج الى الاجتهاد بالعلم، بدليل أن عليا يقول فى ذلك من عنده بلا جمع.

{ وممَّا رزقناهم ينْفقُون } فى سبيل الله عز وجل، كصلة الرحم، واعطاء الضعفاء، واكرام المؤمنين، وفصله عن اقامة الصلاة بالشورى، لأن الاستجابة واقامة الصلاة كانا من آثار الشورى، ان الاستجابة واقامة الصلاة متأخرتان منهم على الشورى، لأنه تعالى وصفهم بالاستجابة، واقامة الصلاة، والحال أنهم من شأنهم الشورى، ومتصفون بها، وذلك ظاهر فى الأنصار، أو فصل بالشورى لوقوعها بعد اجتماعهم للصلاة.