الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }

{ ومِنْ آياته } الدالة على وجوده، وكمال قدرته، وعظم شأنه { الليل والنَّهار } فى اختلافهما ظلمة ونورا، وتعاقبهما على استمرار وايلاج كل فى الآخر { والشَّمس والقمر } فى استنارتها واختلافهما بقوة النور، والعظم والآثار والحركات، وكون القمر تابعا للشمس، وهى أكبر منه جرما ونورا، وكون نور القمر من نور الشمس، وأصله أطلس، بخلاف الشمس، فانها جرم مضىء بالذات كالنار، وقيل: ضوؤها من نور العرش، قابلته فأضاءت، وأصلها طلساء ومن آياته أنهما يكسفان اذا أراد الله تعالى، وأكثر ما يكسف القمر فى الليالى البيض.

وقد روى أنه سئل الحسن البصرى: لأى شىء يستحب صيام أيام البيض؟ فقال: لا أدرى، فقال أعرابى: لكنى أدرى فقال الحسن: ما هو؟ فقال الأعرابى: ان القمر لا ينكسف الا فيهن، فاحب الله أن لا يحدث فى السماء أمرا الا حدثت له فى الأرض عبادة، وقدم الليل لتقدمه خلقة، مع كون الظلمة عدما، والعدم سابق على الوجود، كذا قيل، وفيه أن المتقدم ظلمة مستمرة لا مقدار مخصوص يسمى ليلا يليه نهار، ودعوى هذا المقدار تحتاج لدليل، وقدم الشمس ليتصل ذكرها بذكر النهار، اذ حصل بها، وأنها آيته، ولأنها أهل لنور القمر، وأعظم منه جرما ونورا.

{ ولا تَسْجُدوا للشَّمس ولا للقمر } لأنهما مثلكم مخلوقان عاجزان { واسْجُدوا لله الَّذي خَلقهنَّ } خلق الليل والنهار، والشمس والقمر، والليل والنهار لم يسجد لهما أحد، كما سجد للشمس والقمر، لكن لما كان لا علم لهما، لا اختيار، كما أن الشمس والقمر كذلك، وكان أصلهما الشمس، قرنهما فى النهى عن السجود مع الشمس والقمر، وذكر بعض المحققين أنه قرنهما معهما، ليدل على أنهما مثلهما فى أنه لا علم ولا اختيار، وهو ضعيف، لأنهما لا يتوهم فيها أحد أنهما عالمان مختاران، لانهما معقولان لا حسيان، كالشمس والقمر، والاصل فى جمع القلة من غير العقلاء أن يرجع اليه ضمير المفرد المؤنث، ويجوز ضمير جماعة الاناث، كما هنا، فان الأربعة كجمع القلة الذى هو بالأصالة لتسعة فأقل، وقيل: لعشرة وأقل.

ولعل فى الآية اعتبار تعدد الليل والنهار، وتعدد طلوع الشمس والقمر، فكأنهما شموس وأقمار، وذلك كثرة وقيل: الضمير للشمس والقمر، وضمير الكثرة للتعدد بالاعتبار، ووجه هذا اقول أن الليل والنهار لم يعبدهما أحد، بل عبدت الشمس والقمر، وقيل: الضمير للآيات من قوله: { ومن آياته } ووجهه أن الشمس والقمر غير جمع، فالأصل أن لا يرد اليهما ضمير الجمع، ولا سيما ضمير الكثرة { إنْ كُنْتم إيَّاه } وحده لا غيره، ولامع غيره قدم للحصر والفاصلة { تَعْبُدون } لأن السجود أقصى مراتب العبادة، فيخص الله تعالى به، وهنا يسجد على وابن مسعود والشافعى وعند يسأمون يسجد ابن عباس وابن عمر، وأبو وائل وبكر بن عبد الله، وابن وهب ومسروق، والسلمى والنخعى، وابن صالح، وابن وثاب، والحسن، وابن سيرين، وأبو حنيفة والشافعى فى رواية عنه، وهو أصح الوجهين عنه عند الشافعى لأنه تمام المعنى على أسلوب السجود لأن الاستكبار عن السجود مذموم، ولا يخفى أنه أحوط، لأنه ان كان محله تعبدون لم يحضر الفصل القليل، وان كان يسأمون لم يحز التقديم.