الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ }

{ فأرسَلنا عليْهم ريحا صَرصراً } باردة بردا شديدا تهلكهم ببردها، أو شديدة الصوت لقوتها، وهو المشهور، والشدة معلومة من تكرير الحرف، تكسرهم، تحمل الرجل أو المرأة فى الهواء وتدقه فى الأرض، وتحمله وتضربه للصخرة، وتضرب الانسان على الحائط، وتدخل عليه فى بيته وستره وتقتله فيه، أو تخرجه وتقتله وهى مأمورة.

ويقال: الريح ثمانية: أربعة عذاب: الصرصر، والعاصف والقاصف، والعقيم، وأربعة رحمة: الناشرة، والمبشرة، والمرسلة، والدراية، وفى معنى شدة الصوت الصيحة، قال الله عز وجل:فأقبلت امرأته في صرَّةٍ } [الذاريات: 29] وفى الحديث: " إن الله تعالى أمر خزنة الريح ففتحوا قدر حلقة الخاتم ولو فتح قدر منخر الثور لهلكت الدنيا " قيل وكانت تحمل العير بأوقارها فتلقيها فى البحر.

{ فى أيَّامٍ نَحِساتٍ } مصدر مجموع بمعنى الوصف أو يقدر مضاف أى مصاحبات نحس، أو مبالغة أو صفة مشبهة أصله نحس بكسر الحاء، وسكن تخفيفا، ويدل أنه قد قرىء فى السبع بالكسر، وجمع الألف، والتاء على أيه مذكر لأنه غير عاقل، والنحس الشؤم، وقيل النحس البرد، والصرصر الصوت قال:

كأن سلافه مزجت بنحس   
وقيل: ذوات غبار وتراب، لا يكاد الانسان يبصر فيها، قال الراجز:
قد أغتدى قبل طلوع الشمس   للصيد فى يوم قليل النحس
أى الغبار، ويحتمل البرد وهو أولى، والصحيح أن النحس الشؤم، يقال يوم نحس، ويوم سعيد، وهذا اليوم سعيد لنا، نحس على الكافرين، وإنما النحس بالنسبة الى من يصيبه السوء لا الى الزمان لا من خصوصيات الأوقات إلا أن أخبارا كثيرة بنحس أيام: كأربعاء آخر الشهر، وكالثلاثاء يجاب فيه دعاء الداعى فتصببه الآفات، قال ابن عباس: الأيام كلها الله تعالى لكنه سبحانه وتعالى خلق بعضها سعودا وبعضها نحوسا،وكانت أيام النحوس المذكورة أواخر فبراير، وأوائل مارس من شهور الشمس، وآخر شوال من شهور القمر، وروى ما عذب قوم إلا فى يوم الأربعاء، وقال السدى: أولها غداة يوم الأحد، وقال الربيع بن أنس أولها يوم الجمعة.

{ لنُذيقهُم عَذاب الخِزي في الحياة الدُّنْيا } أى الذل، وكأنه قيل: العذاب الخازى بالتعريف لعذاب، ونعته بالخازى بلا تفضيل بدليل اسم التفضيل فى قوله: { ولَعَذابُ الآخِرة أخْرى } وإسناد الخزى الى العذاب مجاز عقلى، بأنه اشتد عذابهم لاشتداد تكبرهم { وهُمْ لا يُنْصرون } بدفع العذاب عنهم فى الآخرة قبل وقوعه، ولا باخراجهم بعده.