الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ }

{ ولَقَد أرسَلنا رُسُلا } عظاما كثيرين، والمراد الأنبياء المرسلون كما يتبادر، وقيل: المراد الأنبياء ولو كانوا غير مرسلين، لأن شأن النبى مطلق التبليغ { مِن قَبْلك } من قبل وجودك، أو من قبل إرسالك وهو أولى { مِنْهُم مَنْ قَصصَنْا عَليك } بعض أخبارهم كآدم وإدريس، ونوح وهود وصالح، وابراهيم ولوط، ويوسف وموسى، وشعيب وداود، وسليمان وعيسى { ومِنْهم مَنْ لم نَقْصُص عَليْك } بعض أخبارهم وهم الأكثر، أو يقدر أولا رسُلا قصصناهم، ورسلا لم نقصصهم، ثم يقدر مضافان كما رأيت، وهو أولى، ويجوز تقدير الضمير فى ذلك كله مفردا مراعاة للفظ من، وأكثر الرسل لم يقصصهم الله فى القرآن، وعدم قصصهم لا ينافى معرفته صلى الله عليه وسلم بعددهم، كما قال صلى الله عليه وسلم لأبى ذر السائل عن عدد الأنبياء: " هم ألف وأربعة وعشرون ألفاً الرسل منهم ثلاثمائة وخمسة عشر " ويروى: " ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا " لأن المنفى فى الآية قص أخبارهم لا معرفة عددهم.

ولا مانع أنه تعالى أخبره بعد الآية بأسمائهم، وأخطأ من قال إنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم عدد الأنبياء والمرسلين، وقد أخبره الله تعالى بهؤلاء الأنبياء الذين بعد عيسى عليه السلام، والذين لم يشهروا إذا صح الخبر، مثل خالد بن سنان العبسى، وأخبره بعبد حبشي نبى كما فى ابن مردوية، والطبرانى عن على فهوه ممن لم يقصصه الله تعالى عليه، صلى الله عليه وسلم، وذكر ابن عباس أن الله تعالى بعث عبدا أسود فى الحبشة، والمراد بالقص المنفى القص فى القرآن، ولا ينافى القص فى غير القرآن بعد الآية، ومعنى كونه عبدا أنه ممن يتخذ عبيدا من السودان، ولا نفرة فى ذلك، لأنه غير مملوك، ولأنه مرسل الى جنسه، وذلك عرف الآن أيضا يقال: هو أحد العبيد أى السودان الذين تتخذ منهم العبيد، وقيل: انه عبد مملوك لبنى الخشاش يرعى فى الغنم.

{ وما كانَ } ما صح ولا خبر للكون، ويجوز أن يكون له خبر { لرسُولٍ } من تلك الرسل { أن يأتي بآيةٍ } تتلى أو معجزة { إلا بإذن الله } فالآيات هبات من الله تعالى { فإذا جاء أمْر الله } بالعذاب فى الدنيا والآخرة، وقيل: يوم القيامة، وقيل: يوم { قُضِيَ بالحقِّ } أنجز ولم يتخلف ولم يؤخر { وخَسِر هُنالكَ } هنا اسم المكان، استعير للزمان، لجامع أن كلا ظرف للحوادث، ويجوز إبقاؤه على معنى المكان المقضى فيه كأرض بدر والمحشر، فيكون الأمر القتل، وعذاب يوم القيامة { المبْطِلون } المتمسكون بالباطل، أو الداخلون فيه، أو أصحاب الباطل، ويبعد أن يفسر بالمضيعين لما لهم فى الجنة من الأملاك والحور، ويبعد أن يقال فى تفسيره: إذا جاء أمر الله بارسال رسول أرسله، وخسر مكذبوه.