الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً }

{ لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ } عن الحرب والمال، وقوله والمال على حذف المضاف تقديره وإنفاق المال، أوعن الحرب مع إنفاق المال فيها، كمر كوب وسلاح وزاد وفى البخارى هم القاعدون عن بدر، رواه عن ابن عباس، وقيل المتخلفون عن تبوك، إذ تخلف عنها كعب بن مالك من بنى مسلمة، ومرارة بن الربيع من بنى عمرو بن عوف، والربيع وهلال بن أمية كلاهما من بنى واقف { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِى الضَّرَرِ } من ضعف، أو هرم أو عمى، أو عرج أو قعود مع الوالدين المحتاجين إليه، أو عدم ما يغزون به، لما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة قال: " إن بالمدينة لأقواما، ما سرتم من مسير، ولا قطعتم من واد إلا كانوا معكم فيه قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة، قال: نعم، وهم بالمدينة، حبسهم حابس العذر " ، أى لصحة تعلق نياتهم بالجهاد، كما قال عز وجل: ليس على الضعفاء إلى قوله عز وجل: إذا نصحوا لله ورسوله كما قال:ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا } [التين: 5، 6] الخ، فمعناه أن من نوى عمل خير فمنعه مانع يكتب له أجره، ويقول للملائكة اكتبوا له أحسن ما كان يعمل، فأنا قيدته، كما قال صلى الله عليه وسلم: " نية المؤمن خير من عمله فله ثواب ألف عام لما نواه نية صحيحة " { وَالمُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ } قال زيد بن ثابت نزلت الآية أولا هكذا لا يستوى القاعدون من المؤمنين و المجاهدون فى سبيل الله الخ بدون ذكر قوله غير أولى الضرر، فقال ابن أم مكتوم فكيف وأنا أعمى يا رب، أين عذرى يا رب، أين عذرى، بمعنى أنه يطلب أن يعذر، فغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مجلسه الوحى، فوقعت فخذه على فخذى، فخشيت أن ترضها، أى تكسرها، ثم سرى عنه، أى زالت عنه شدة الوحى، فقال: اكتب، لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أُولى الضرر المجاهدون فى سبيل الله، بأموالهم وأنفسهم، بزيادة غير أُولى الضرر، قال زيد بن ثابت: ما جف قلمى وأنا اكتب بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قول ابن أم مكتوم حتى قال اكتب يا زيد غير أولى الضرر، نفى الله الاستواء بينهم ليرغب الناس عن القعود ويأنفوا عن انحطاط رتبهم، ومعلوم أن التفاوت يرفع المجاهدين عن القاعدين لا بانحطاطهم، لم يقل والخارجون فى سبيل الله، مع أنه أنسب بقوله لا يستوى القاعدون قدحا لهم وتصريحاً بموجب المزية، ولأن القعود كان قعوداً عن الجهاد، وأخر ذكر المجاهدين عن القاعدين ليتصل التصريح بفضلهم بهم، ووضح ذلك تأكيداً فى الترغيب بقوله { فَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً } بدل اشتمال على حذف الرابط، أى درجة لهم، أو تمييز عن المفعول، أى فضل الله درجة المجاهدين، أو مفعول مطلق بمعنى تفضيله، وقدر بعض فى درجة، وبعض بدرجة، وبعض ذوى درجة { وَكلاًّ } من القاعدين والمجاهدين { وَعَدَ اللهُ الحُسْنَى } الدار الحسنى، أو المثوبة الحسنى، وهى الجنة لإيمانهم مع إخلاص، ومع كون الجهاد على الكفاية فى المسألة إلا أن للمجاهدين فضلا عليهم لمزيد عملهم { وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } إعرابه كدرجة، أو ضمن فضل معنى أعطى، أى أعطاهم زيادة على القاعدين أجراً عظيما، وهذا تأكيد آخر، ودعا إليه ذكر، وكلا وعد الله الحسنى، والأجر العظيم الدرجة المذكورة.