الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ وَإِذَا جَآءَهُمْ } أى المنافقين وضعفاء المؤمنين { أَمْرٌ } عن سرايا النبى صلى الله عليه وسلم { مِّنَ الأَمْنِ } بالنصر والغنيمة أو الفتح { أَوِ الْخَوفِ } بالهزيمة { أَذَاعُوا بِهِ } بالأمر أو بأحد من الأمن أو الخوف شهروه، فإن كان الخير قصد المنافقون بإذاعته مراءاة المسلمين والتملق إليهم بإظهار أنهم أَحبوا لهم الخير، وإن كان الشر قصدوا بإذاعته تقوية قلوب المشركين وأصحابهم،وقد وافق ما فى قلوبهم من حب الشر للمسلمين، ويضعف أن يقال، إنهم يذيعون الخير ليجدد المشركون أمرهم فيكونوا غالبين بعد أن كانوا مغلوبين، وفى إذاعة الشر كسر قلوب المؤمنين وتقوية قلوب المشركين، ويجوز عود هاء به إلى الخوف، فهم يذيعون أمر الخوف، ولو جاء الأمن كذبا منهم وتوغلا فى الشر، وأما ضعفاء المؤمنين فلا يقصدون إذاعته سوءا بل شوقا للخير، وتحذراً من الشر، كما كان هؤلاء الضعفاء يذيعون ما أخبرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وعد الله له بالظفر، تخويفاً للمؤمنين من الكفرة وإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، ولو لم يكن ذلك قصداً لهم، وكان هؤلاء الضعفاء يذيعون ما سمعوا من المنافقين على حند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى ذلك كله مفسدة، وفى مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع " { وَلَوْ رَدُّوهُ } أى ذلك الأمر وسكتوا عنه، وقالوا نسكت حتى نعلم أهو مما يذاع { إِلَى الرَّسُولِ } أى رأيه { وَإِلَى أُولِى الأَمْرِ مِنْهُمْ } أى رأيهم، وهم كبار الصحابة الباصرون بالأمور كأبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، والعباس، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، حتى يسمعوه من الرسول وأولى الأمر، أو هم الأمراء على القتال والولاة { لَعَلِمَهُ } هل هو مما يذاع { الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } أى يستنبطونه من الرسول وأولى الأمر، أى يحصل لهم علمه منهم، أو لعلمه من النبى وأولى الأمر، هؤلاء الذين يستنبطونه، أو لعلمه من النبى، وأولى الأمر هؤلاء الضعفاء والمنافقون، حال كونهم من جملة المؤمنين، تحقيقاً فى الضعفاء، وبحسب الظاهر فى المنافقين وأصل الاستنباط إخراج النبط وهو أول ماء البئر وسمى قوم فى البطائح بين العراقين نبطا، لأنهم يستخرجون المياه من الأرض، ومن للابتداء أو للبيان ويجوز أن تكون للتبعيض، أو للتجريد، كقولك رأيت من زيد أسدا، وهى راجعة إلى الابتداء { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } بإرسال الرسول وإنزال القرآن أو فضله بالإسلام ورحمته بالقرآن أو فضله بإرسال الرسول والقرآن ورحمته بالتوفيق وفضله نصره، ورحمته معرفته، واختاره أبو مسلم، والخطاب لضعفاء المؤمنين، أو للمؤمنين أو للناس، والمراد المجموع لأن ذلك ليس رحمة وفضلا للشقى إلا أن يعتبر أن ذلك رحمة وفضل له فضيعه { لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاّ قَلِيلاً } فإن القليل لم يتبعه، ولو لم يكن القرآن والرسول، وهم من كان على دين عيسى ولم يغيره، كقس بن ساعدة، ممن آمن قبل البعثة، ومنهم قيل البراء وأبو ذر، واختلفوا فى ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو، وأمية بن أبى الصلت، أو المراد إلا اتباعا قليلا، أو المراد من لم يبلغ، فالاستثناء منقطع، لأنه لم يدخل فى الخطاب، أو استثناء من واو أذاعوا، أو فاعل علم، أو واو وجدوا، والخطاب للناس كلهم، والقليل أمة محمد صلى الله عليه وسلم.