الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }

{ الَّذِينَ } بدل من الذين يتخذون، أو نعت للمنافقين، أويقدرهم { يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } أمراً من ظفركم بأعدائكم أيها المسلمون وعدم ظفركم كما فصله بقوله { فَإِن كَانَ لَكُمْ } أيها المؤمنين { فَتْحٌ مِنَ اللهِ } الخ فذلك، تنفير للمؤمنين عن مصاحبتهم، والمراد بالفتح الظفر والغنيمة، كأنه قيل فإن غلبتم المشركين وغنمتم منهم سمى فتحاً، وما للكافرين نصيباً تعظيما للمؤمنين، وقيل لأنه من مداخل فتح دار الإسلام { فًالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ } فى الدين والجهاد، فأعطونا من الغنيمة، وذلك لأنهم يحضرون الجهاد وإن لم يحضروا، قالوا لم نكن معكم فى الدين فأعطونا الدين والمتحقق المبالغ فيهم تربص الدوائر بكم، كما نص عليه فى الآية الأخرى { وَإن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } غلبة قليلة، وهذا تحقير لغلبة الكفار لقلتها وزوالها سريعاً، والحرب سجال، ولأنهم مغلوبون بالحجة على كل حال، ولأنها وبال عليهم فى الآخرة، بخلاف غلبة المسلمين لهم فعظيمة كثيرة تستمر آخراً، وإعلاء لدين الله، وعاقبتها محمودة دنيا وأخرى، ولذلك عبرَّ عنها بالفتح { قَالُوا } للكافرين { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } نتغلب عليكم ونقدر على أن نعين المؤمنين ونقتلكم معهم، ونأسركم فلم نعنهم أو ألم نغلبكم بالتفضل بإطلاعنا لكم على سر محمد { وَنَمْنَعْكُم مِّنَ المْؤْمِنِينَ } من حين الاستفهام المذكور التقريرى، أو الإنكارى للنفى بعده، وكأنه قيل أو لم نمنعكم من المؤمنين أن يقتلوكم، فأبقينا عليكم بترك إعانتهم وبإرسالنا إليكم بأخبارهم وأسرارهم، فأعطونا مما غنمتم، ومرادهم طلب المال والتحبب خوفا لفريق الإسلام وفريق الكفر، والقياس استحاذ بنقل فتح الواو وقلبها ألفا فصيح استعمالا شاذ قياسا { فاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } أيها المؤمنون والكافرون، والخطاب تغليب للمؤمنين، إذا خوطبوا فلا داعي إلى أن يقدر بينكم وبينهم { يَوْمَ القِيَامَةِ } بإدخال المؤمنين الجنة والكافرين النار، وأما تأخير عقاب المنافقين إلى الموت وما بعده، ووضع السيف عنهم فى الدنيا فليس حكما يوم القيامة، فلا تفسر به الآية إلا أن يقال المراد يتم الحكم بينهم ويوم القيامة، بإدخالهم النار بعد الحكم فى الدنيا بوضع السيف { وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرينَ } المشركين والمنافقين { عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } يوم القيامة، وأما الدنيا فسجال، وقيل لا فى الآخرة ولا فى الدنيا، والسبيل بحجة كما روى أن عليا سئل عن الآية مع أن الكافرين يظهرون على المؤمنين فى بعض الأحيان، فأجاب بأن معنى الآية ظهور المؤمنين يوم القيامة بثمرة الإيمان، وهى الجنة، وخزى الكافرين بالنار، وعلمهم فيه أن الحق مع المؤمنين، ومذهب الجمهور من أصحابنا وغيرهم، أن الكافر إذا استولى على مال المؤمن لم يملكه فإذا قدر عليه فهو للمؤمن، وقال الربيع بن حبيب وبعض العلماء تجوز معاملة المشرك فيه وهبته وتملكه منه بالغنم فيكون فيئاً للمسلمين، واستدل الشافعى بالآية على أنه لا يملكه ولا يعامل فيه، وملكه باق لصاحبه المؤمن، وعلى أنه لا يملك عبداً مسلماً، قلت ولا أمة، ولا يرث مسلماً أو مسلمة، ولا يتزوج مسلمة ولو أمة، ولا يتسرى مسلمة، وإن اشترى عبداً مسلماً أو أمة بطل شراؤه عندنا وعند الشافعية لهذه الآية ونحوها، وحديث الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وقال الحنفية: يصح الشراء ويمنع من استخدامه ومن التصرف فيه إلا بالبيع للمسلم أو الإعتاق فذلك عندهم انتهاء السبيل، وإن ارتد المسلم حرمت زوجه، وإن تاب قبل العدة فهى له، وكذا إن أسلمت زوج الكافر، وذلك لئلا يكون لمن كفر سبيل على من آمن، فالارتداد كالفرقة بنحو الطلاق، والإسلام كالرجعة، وأجمعوا أن المؤمن لا يقتل بالكافر، واستدل الحنفية بها على أنه إن ارتد المسلم بانت منه زوجه ولو تاب فى العدة، إذ لو تبين لكانت فى عصمته حين الردة.