الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً } * { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً }

{ وَمَنْ أَحْسَُ دِيناً } نفى للمساواة والزيادة { مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ } أخضعه وأخلصه، أى ذاته كلهما، وعبر بالوجه لأنه أعز الأعضاء الظاهرة { لِلَّهِ } لا يعتقد أن له ربَّا سواه ولا ربَّا معه، أو المراد نفس الوجه، بأن سجد له خاصة رئاء ولا سمعة، ودين الإسلام مبنى على الاعتقاد لربوبية الله وألوهيته، وقصده إياه بالأعمال، وعدم تعلق قلبه بغيره، كما قال: أسلم وجهه، وعلى الأعمال كما قال { وَهُو مُحْسِنٌ } بإتيانه بالأوامر وانتهائه عن النواهى، وفى الحديث الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وذلك منتهى قوة البشر، إذ جمع الاعتقاد والعمل، وقيل هو محسن بالتوحيد، فيكون معنى أسلم وجهه أخلص عمله { وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ } هذا إما نفس إسلام الوجه والإحسان، كأنه قيل وهو فى ذلك متبع لملة إبراهيم، لو تحقق إسلام وجهه وإحسانه باتباع ملته، وإما اشتراط لأن شرائع الأنبياء مختلفة، كلها مقبولة، وأفضل ملة إبراهيم وأحسنها ما كان جامعاً لإسلام الوجه والإحسان، وهو اتباع ملته لا غيرها مع شرائع الأنبياء، وقد جمع ذلك كله دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فالواجب على أهل الملل كلهم أن يقبلوه كما قبلوا كلهم إبراهيم وارتضوه، إلا أن منهم جاهلا، ومنهم حاسداً كاتماً، وكان مشركو العرب لا يفتخرون بشىء كافتخارهم بالانتساب إلى إبراهيم { حَنِيفاً } مائلا عن غير دين الإسلام إلى الإسلام { وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } اصطفاه بكرامة، ككرامة الخليل، والواو للحال، أى وقد اتخذ إلخ، وصاحب الحال ضمير اتبع وقيل عطف على من أحسن، ولا بعد فى العطف عليه لأن المراد مدح من حاز هذه الخصلة، وهى أنه اتبع إبراهيم الذى هو خليل الله عز وجل، وأظهر فى موضع الإضمار للتفخيم، وسبب تلقيبه خليلا أنه هبط إليه ملك فى صورة رجل، وذكر اسم الله بصوت رخيم شجي، فقال اذكره مرة أخرى، فقال لا أذكره مجاناً، فقال: لك مالى كله، فذكره بصوت أشجى من الأول، فقال اذكره مرة ثالثة ولك أولادى، فقال أبشر فإنى ملك لا أحتاج إلى مالك وولدك، والمقصود امتحانك، وروى أن جبريل والملائكة دخلوا على إبراهيم عليه السلام فى صورة غلمان حسان الوجوه، فظنهم أضيافاً، فذبح عجلا سميناً، وقال لهم كلوا على شرط أن تسموا الله أوله وتحمدوه آخره، فقال جبريل: أنت خليل الله، وروى أنه بعث إلى خليل له بمصر فى جوع أصاب الناس ليمتار منه، فقال لو كان يريد لنفسه لفعلت، ولكن يريد للأضياف، وقد أصابنا ما أصاب الناس، فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملأوا الغرائر حياء من الناس، فلما أخبروا إبراهيم ساءه الخير، فغلبته عيناه، فنام، وقامت سارة إلى غرارة فأخرجت حوارى واختبزت، فاستيقظ واشتم رائحة الخبز، فقال من أين لكم هذا، فقالت، من خليلك المصرى، فقال: بل من عند خليل الله، فسماه الله خليلا، وقيل سماه الله خليلا لأنه لا يعارضه شىء لغيره إلا اختار ما لله عز وجل، وقيل لأنه يفعل ما يفعل الله عز وجل، أحسن إلى الكافر والمؤمن وأطمعهما، وفى البيهقى عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2 3