الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

{ لاّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ } نجوى الناس عموما،وليس المراد قوم طعمة بن أبيرق كما قيل، والنجوى ما يتحدث به اثنان فصاعدا، منحازين به عن غيرهم، كذا ظهر لى، ثم رأيته للزجاج، وانحيازهم به مسارة عن غيرهم ولو جهروا به فيما بينهم، وشرط بعض الأسرار بينهم، أو النجوى المتناجون، والمفرد نجى كمريض ومرضى، أو التناجى { إلاّ مَنْ أَمَرَ } منهم غيره، أى إلا نجوى من أمر، أو إلا أمر من أمر، أو الاستثناء منقطع، وإن أريد بالنجوى المتناجون كان متصلا، فإنه يكفى فى صحة الاتصال صحة الدخول فيما قبل إلا، ولو لم يجزم به، نحو جاءنى كثير من الرجال إلا زيداً، وشرط بعضهم الجزم، فيكون المثال من المنقطع، وكذا الآية { بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ } أى إلا متناجين، أمروا بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، أو إلا تناحى من أمر، والصدقة تشمل الواجبة وغيرها، والمعروف ما يستحسنه الشرع ولو أنكره العقل، لأنه لا نقول بالتحسين والتقبيح العقليين، وذلك كالكلمة الطيبة لأهله، وتعليم العلم، والأمر والنهى، وإغاثة الملهوف، وإعانة المحتاج، والقرض، قالت أم حبيبة رضى الله عنها: إن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " كلام ابن آدم كله عليه، لا له، إلا ما كان من أمر بمعروف أو نهى عن منكر، أو ذكر الله " ، والمعروف يعم الصدقة، خصها بالذكر تعظيما لها، وخص الثلاثة لأن عمل الخير فى حق الغير، إما إيصال النفع بالمال وهو الصدقة، وإما بمنفعة روحانية وهى الأمر بالمعروف، وإما دفع الضر وهو الإصلاح بين الناس فى فساد فى واقع أو مشرف عليه، كذا قيل، وبقيت المنفعة بالبدن، وعن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصدقة إصلاح ذات البين " ، وعن أبى الدرداء - مرفوعا- " إصلاح ذات البين أفضل من الصوم والصدقة والصلاة " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى أيوب الأنصارى، فى رواية البيهقى عنه: " يا أبا أيوب، ألا أدلك على صدقة يرضى الله تعالى ورسوله موضعها؟ قال: بلى. قال: أن تصلح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقرب بينهم إذا تباعدوا " ، وفى رواية: " ألا أدلك على صدقة، هى خير لك من حمر النعم؟ قال: نعم يا رسول الله. قال: أن تصلح بين الناس إذا تفاسدوا وتقرب بينهم إذا تباعدوا " ، قالت أم كلثوم بنت عقبة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: بقول: " ليس الكذاب بالذى يصلح بين الناس، فينمى خيرا، أو يقول خيرا " ، رواه البخارى ومسلم وأبو داود، وليس فى الآية فعل الصدقة والمعروف والإصلاح، بل الأمر بهن، ففى الآية الآمر بالخير كفاعله، وفيها جواز أن تقول للإنسان تصدق بكذا من مالك للفقراء، أو على الناس، أو على فلان، أو فى وجه كذا من وجوه الأجر، وفى الفروع منع ذلك، ووجهه خوف أن يعطى بلا طيب نفس حياء، فنقول تحمل الآية على الأمر تعميما، أو حيث لا يعطى إلا بطيب نفس، وذلك أمر الإنسان غيره بالفعل، وذكر نفس الفعل المأمور به فى قوله { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ } أى من يتصدق أو يعمل معروفا أو يصلح بين الناس، ويجوز أن يراد يفعل ذلك الآمر به المذكور، أى ومن يأمر بذلك، فيفهم الفعل بالأولى، والأمر فعل، أو عبر بالفعل ليشمل الإشارة، والكتابة فى إيقاع ذلك، وفى الأمر به، ولأن المقصود الترغيب فى الفعل، وإما أن يراد بالفعل ما يعم الأمر بذلك وفعله، فجمع بين الحقيقة والمجاز، أو من عموم المجاز، والمراد بقوله، ذلك، بعض ذلك، أو المراد ما ذكر على ما فى الآية من أو { ابْتِغآءَ مَرْضَاتِ اللهِ } لا رياء أو سمعة، أو غرضا دنيويا، والأعمال بالنيات، والرئاء محبط للعمل ومهلك، وذكر الغزالى أنه إذا كان الإحلاص غالبا أثيب وإلا أحبط، وقيل يثاب على قدر الإحلاص ولو قل { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } يستحقر عنده كل ما فعله من الخير.