الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } * { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً }

{ وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ } هم طعمة وقومه، أو بنو أبيرق، أو مطلق الخائنين، ودخل طعمة وقومه فيهم، وذلك أن خيانتهم لغيرهم خيانة لأنفسهم، إذ أوقعوها فى موجب العقاب، بيتو أن يشهدوا صباحا بالسرقة على اليهودى، دفعا عن طعمة، أو شبهت المعصية بالخيانة للنفس، أو الخيانة المضرة مجازاً، وفى قوله يختانون وقوله { إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } مبالغة بالافتعال، وفعال وفعيل، لأن من طبعه السرقة، وقد تكررت منه فى الجاهلية، وعلم قومه بتكررها، حتى إنه مات فى مكة بعد ذلك تحت حائط نقبه للسرقة، أو هم بنو أبيرق، وصيغة المبالغة للنسب، فشملت ما لا مبالغة فيه، أو مراعاة الحال من الآية فى شأنه، وفيه ما فى:وما ربك بظلام للعبيد } [فصلت: 46]. من الأوجه، وذكر الإثم بعد الخيانة مبالغة، أو الخيانة باعتبار إنكار السرقة، أو إنكار الوديعة، والإثم باعتبار تهمة البرىء،كما قيل عن ابن عباس، وآخر، لأنه مسبب عن الخيانة، ولتأخر وقوعه عنها وللفاصلة { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ } حال فعل المعصية أو ما يعاب ويعد فعل ذلك حياء وخوفاً { وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ } الجملة حال أو معطوفة، والمراد أنهم لا يقدرون على الإخفاء عن الله { وَهُوَ مَعَهُمْ } بالعلم، فهو أحق بأن يستخفوا منه، أى بأن يتركوا ما نهى عنه، خوفا لعقابه، فسمى الترك استخفاء، بجامع عدم الظهور، فإنه كما لا ظهور فى موجود مخفى لا ظهور فى معدوم، وفيه مشاكلة { إذ يُبَيِّتُونََ } يدبرون ليلا { مَا لاَ يَرْضَى } أى الله { مِنَ القَوْلِ } البهتان، وشهادة الزور، واليمين الفاجرة، قال طعمة: أرمى اليهودى بأنه سارق الدرع، وأحلف إنى لم أسرقها، فتقبل يمينى، لأنى على دينهم، ولا تقبل يمين اليهودى، وقال قومه: نشهد زوراً لدفع السرقة، وعقوبتها عن من هو واحد منا، وذلك تدبير ليلا، ولذلك عبر عنه بالتبييت، أو إطلاق للمقيد على المطلق، أو استعارة لجامع الاتفاق ما دبر ليلا وقت الخلو أَجود وسمى التدبير، وهو مبنى فى النفس قولا، بناء على ثبوت الكلام النفسى، ولا بأس به فى المخلوق، أو ذلك تلفظ صدر منهم ليلا { وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } فلا يفوته عقابهم، ويروى أن بشراً أخا بشير ومبشر وهم بنو أبيرق من بيت قتادة بن النعمان رضى الله عنه، كان منافقاً يقول الشعر فى ذم الصحابة وينسبه لغيره، ويتهمونه به، ونقب غرفة رفاعة بن زيد، وسرق منها دقيق الحوارى وسلاحاً، فذكر ذلك لابن أخيه قتادة، فقيل له: قد استوقد بنو أبيرق وما نرى إلا على طعامكم، وهم فقراء في الجاهلية والإسلام، وأنكروا، وبهتوا بذلك لبيد بن سهل فأتاهم بسيفه، فقال لهم: والله لتبيننه أو لأقتلنكم، فقالوا: والله ما سرقت، فاستعانوا بأسير بن عروة وغيره، أنهم ما سرقوا، فقالوا: إن قتادة يا رسول الله نسب أهل صلاح إلى السرقة فزجره وأخبر عمه رفاعة، قال رفاعة: الله المستعان، فنزلت الآيات فى بشر، فقال رفاعة: ذلك السلاح فى سبيل الله، قال قتادة، ومن حينئذ زال شكى فى إخلاص إيمانه.