الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ }

{ خلَقَكم } أيها الناس، أو أيها المشركون لم يعطف على خلق السماوات لاستقلاله بالدلالة على أنه تعالى واحد قهار، ولتعلقه بالعالم السفلى، وقدم ذكر خلق الانسان على خلق الأنعام لعقله، وقبول التكاليف { مِن نفسٍ واحِدةٍ } آدم عليه السلام بلا أب ولا أم { ثمَّ جَعَل منْها زوجَها } حواء، ثم لتراخى الزمان، إذ هو الأصل فيها، والمراد بخلقكم إخراجكم من آدم كالذر، وهو متقدم على خلق حواء، ويكفى فى التراخى مدة ولو قصيرة، ولا سيما أنها طالت بين الاخراج كالذر، وحين خلق حواء منه، ويجوز أن يكون التراخى رتبيا على أن خلقها من ضلع أعظم من خلقهم من نطفة، على أن المراد بخلقهم من نطفة وهو متأخر عن خلقها زمانا، وقد يكون خلقهم من نطفة أعظم من خلقها من ضلع، لأن النطفة ميتة، والضلع حى، ولكونها بتغيير بعضه عن حاله الأول، عبر الجعل فليس التعبير به لكون خلقها أعظم من خلقه.

روى أنه أخرج ذريته من ظهره كالذر، ثم خلق زوجه من قصيرى ضلعه الأيسر أسفل الأضلاع، وبقى بعضه، أو جعل كله حواء، فالعطف على خلقكم بمعنى أخرجكم مجازا، ويجوز عطفه على نعت ثان محذوف، أو على مستأنف للبيان أى خلقها، ثم جعل منها، ويجوز عطفه على واحدة، ولو تغلبت عليه الاسمية لجواز ملاحظة الحدث فيه، أى وحدت ثم جعل منها مع عدم شهرة فعل الوحدة الثلاثى.

{ وأنْزل لَكُم مِن الأنْعام } أثبت لكم فى اللوح المحفوظ، وعبر بالانزال عن الاثبات، لأن المثبت فى اللوح المحفوظ تنزل الملائكة باظهاره على الاستعارة الأصلية واشتق منه أنزل على التبعية، والجامع الظهور بعد الخفاء، فإنه ظاهر فى الخارج بالاثبات فى اللوح، أو على المجاز الارسالى، فالتبعى لعلاقة السببية أو اللزوم، فثبوته فى اللوح سبب لنزوله وملزوم له، ويجوز ابقاء الانزال على حقيقته، وهو انزال المطر الذى هو سبب حياتها، لأنها لا تعيش إلا بالنبات، ولا نبات إلا بالماء، وهو ينزل من السماء فكأنها نزلت من السماء، وذلك متبادر، ولا دليل على ما قيل إنها خلقت فى الجنة مع آدم، ثم أنزلت منها، ومن للبيان متعلقة بمحذوف حال من قوله:

{ ثمانية أزْواجٍ } ذكور الضأن والمعز، والبقر والإبل، وإناثها، والعطف على خلقكم أو على جعل على أن ثم لغير ترتيب الزمان، لأن الصحيح، أن الأنعام وغيرها من الحيوان، خلقت قبل آدم، وضعف القول بأن الأنعام خلقه، وقدم لكم بطريق الترغيب والاعتناء بما صدر والتشويق الى ما أخر { يخْلُقكُم } خطاب لبنى آدم المخاطبين بقوله: " خلقكم " وإن جعلناه للأنعام ولبنى آدم ففيه تغليب العقلاء على غيرهم فى الضمير، والمخاطبين على ما استحق كلام الغيبة من أن يقال يخلقها { فى بُطُون أمَّهاتِكمْ خلقا من بعْدِ خَلْقٍ } علقة بعد نطفة، ومضغة بعد علقة، وعظما بعد مضغة، ولحما وجلدا وعروقا عظم، وهذه الأطوار فى بنى آدم والأنعام ونحوها، ومن متعلق، بخلقا أو بيخلق، بمحذوف نعت لخلقاً { في ظلمات } لا يتعلق بيخلق، لأنه قد علق فيه فى بطون وحرفا جر لمعنى واحد لا يتعلقان بعامل واحد إلا على التبعية، كما اذا جعلنا فى ظلمات بدلا من { في بطون } ويجوز تعليقه بخلقا { ثلاثٍ } ظلمة البطن، والرحم والمشيمة، وقيل: ظلمة الصلب، والبطن، والرحم، فى هذا المشيمة، ولعل إلغاءها لأنها لا يلزم أن تكون، وعلى كل حال ألغى صرد المرأة، مع أن ماءها منه، كما أن ماء الرجل من ظهره، ولعل إلغاءه لقلته.

السابقالتالي
2