الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }

{ قُلٌ } عنى ليقوى الطمع، ويزول الإياس { يا عبادي الَّذينَ أسرَفُوا على أنْفسِهِم } أفرطوا فى المعاصى كائنة ما كانت، فلا معصية تخرج عن الآية فتقبل توبة الزانى وآكل الربا، وقاتل النفس المؤمنة، ولو كانت سعيدة عند الله وغيرهم اذا تابوا، والمرائى اذا تاب فيرجع عمله كأنه لم يراء، ومن الاسراف الاصرار على صغيرة واحدة، والاسراف الأفراط فى شىء مال أو غير مال حقيقة ولو كثر فى المال، ولما كان مضرة عدى بعلى، أو ضمن معنى الجناية، والعباد على العموم، والاضافة الاجنس، وقيل المؤمنون، فالاضافة للتشريف، وعموم المؤمنين، أو للعهد فى قوله المتقدم يا عبادى { لا تقْنطُوا } لا تيأسوا { مِن رحْمَة الله } من مغفرته فانها رحمة أو مغفرة، وادخال الجنة أو رحمته الجنة لأن المذنب يقنط من الجنة بدخول النار، وداخل الجنة مغفور له، لا يدخلها بلا غفران.

ويروى أن أخوين أحدهما مجتهد فى الطاعة، والآخر مسرف فى المعاصى واجتهد المطيع لله تعالى فى نهيه حتى قال له: والله انك من أهل النار، وماتا، وقال الله تعالى للمطيع: ادخل النار، لأنك أقنطت عبدى من رحمتى الواسعة، وقال للمسرف ادخل الجنة، ومعى ذلك أن العابد لم يقل للعاصى تدخل النار ان شاء الله عز وجل، أو أن لم تتب، صغائر وكبائر { جَميعاً إنَّه هُو الغَفُور الرَّحيمُ } المغفرة الستر، فاذا غفر الذنب فقد ستر اذ لم ير عقابه، فكأنه لم يكن، وكأنه غير ذنب، أو المغفرة محوه من صحيفة المذنب، والتوبة شرط، كما شرطت فى مواضع من القرآن، والمطلق يحمل على المقيد، ولو لم يحمل على المقيد لرجعت هذه الآية الى كل ما شرط فيه التوبة، فيبطل اشتراط التوبة، فيتناقض الكلام، والقرآن ككلام واحد.

روى أبو داود والترمذى، عن اسماء بنت يزيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالى انه هو الغفور الرحيم، قال قوم: يا محمد ان ما تقول حق، لكن أشركنا وزنينا وقتلنا، فلو أخبرنا بكفارة لذلك، فنزل:والذين لا يدعون } [الفرقان: 68] الى قوله تعالى:يبدل الله سيئاتهم حسنات } [الفرقان: 70] ونزل: " قل يا عبادي الذين أسرفوا " ويروى سمعوا الآية الى قوله:مهانا } [الفرقان: 69] فأيسوا، فنزل:إلا من تاب } [الفرقان: 70] الخ يبدل الله اشراكهم توحيدا، وزناهم احصانا.

ويروى أنهم قالوا: هذا شرط وهو العمل الصالح، فنزل:إن الله لا يغفر أن يشرك به } [النساء: 48، 116] الخ ونزل: " قل يا عبادى " كأنهم توهموا أنه لا يغفر لمن أسلم وتاب وعمل صالحا، وعصى بعد فأخبرهم أن التوبة تقبل أيضا بعد هذا العصيان لقوله:

السابقالتالي
2