الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ } * { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

{ والَّذينَ اجْتَنبُوا الطَاغُوت } فلعوت من الطغيان، بزيادة الواو والتاء، وأصل الألف ياء أو واو من طغا يطغو، أو طغى يطغى بفتحهما، كما يقال: الطغيان والطغوان، قدمت اللام على العين، واللام واو أو ياء مفتوحة، هكذا طوغوت وطيغوت، فقلبت ألفا لتحركها بعد فتح كما وقع التقديم بهم فى صاقعة من صاعقة، والطاغوت الكاهن والشيطان، وكل رأس فى الضلال، والساحر والمتعدى، وكل معبود من دون الله مريد للعبادة، أو صنم لا ارادة له، والمارد من الجن، والصارف عن الخير، وقيل حقيقة فى الشيطان، يطلق على الواحد فصاعدا، ولعل أصله مصدر،جعل اسما للمبالغ فى الطغيان فصح اطلاقه على القليل والكثير، كما استعمل فى الآية للجماعة فأنث بتأويل الجماعة إذ قال: { أنْ يعْبُدوها } فى تأويل مصدر بدل اشتمال، أى عبادة تلك الجماعة من الأصنام أو الجن أو الآدميين.

{ وأنابُوا إلى الله } بالعبادة معرضين عن غيره { لَهُم البُشْرى } بالسعادة والجنة على ألسنة الرسل فى الدنيا، جزما لبعض، وعلى شرط البقاء على الحق لبعض، وعلى ألسنة الملائكة عند الموت، وعند الحشر { فبشر عِبَاد * الذين يسْتمعون القَول فيتَّبِعُون أحْسَنه } أى فيبشرهم بالاضمار الذين اجتنبوا الطاغوت، وأنابوا الى الله عز وجل، وأظهر ليصفهم باستماع القول، واتباع أحسنه، وهم على العموم هنا وهنالك، وقيل: على الخصوص بحسب النزول، قيل: نزلت فى زيد بن عمرو بن نفيل، وسلمان، وأبى ذر، كانوا فى الجاهلية يقولون لا إله إلا الله، وقيل فى عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص، وسعيد بن زيد، والزبير، لما أسلم أبو بكر جاءوه وقالوا: أسلمت؟ فقال: نعم، فذكرهم بالله تعالى فآمنوا، ويعتبر عموم اللفظ، والقول عام وأحْسنه ما كان منه حقا، وهو خارج عن التفضيل، أو باق عليه، فيتبعون العفو ويتركون القصاص والانتقام الجائز، ويتركون إظهار النفل إلا لداع، ويتبعون أسراره، ويتبعون الطاعة الواجبة قبل المندوب اليه، والقرآن قبل غيره.

وهكذا كل حسن وأحسن يتبعون الأحسن، ومن الحسن المباح، وإذا عرض ندب وواجب سارعوا الى الواجب، والقول قول الله تعالى وقول غيره، فما ذكر الله عز وجل أنه قبيح اجتنبوه، وما ذكر أنه حسن أو أحسن اتبعوا أحسنه، ويجتنبون قول الناس القبيح ويتبعون أحسنه وحسنه، ويقدمون الأحسن، والذين نعت ولو وقف على عبادى وأخبر عن الذين بقوله { أولئك الَّذين هَداهُمُ الله } لكان العباد هم الذين اجتنبوا الطاغوت المعهودين، لكن لا يحمل الكلام على ذلك الوقف { وأولئك هُم أولوا الألباب } القلوب الخالصة التى لا يؤثر فيها الهوى ولا الشبهة.