الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }

{ واذْكر } عطف على قوله تعالى: { اذكر } أى لتصبر على أذى قومك، كما صبر أيوب { عَبْدنا أَيُّوب } بن أموص بن روم بن اسحاق، فهو اسرائيلى، وذكر بعض أن أمه بنت لوط عليهما السلام، وأن أباه آمن بإبراهيم عليه السلام، وعلى هذا يكون قبل موسى عليه السلام، وقال الطبرى: كان بعد شعيب، فهو معاصر لموسى أو بعده، وقيل بعد سليمان { إذْ نادَى } إذ بدل اشتمال من عبدنا، أو بدل الكل، أو عطف البيان بعده { ربَّه أنِّي } بأنى { مَسَّني الشيْطان } الجنس، وقيل، واحد اسمه مسوط، وقيل هو ابليس { بنُصْبٍ } مشقة وتعب، وهو المراد بالضر فى الآية الأخرى، وقيل: العذاب وهو مفرد كنصب بفتح النون والصاد، وقيل جمعه كوتن بفتحتين ووتن بضم فاسكان، أو أصله ضم النون والصاد كوتن بضم الواو والتاء، فسكن تخفيفا كما قرىء بضمهما، وهو رواية عن نافع، وهو مناسب لثقل المرض على أيوب، وبضم النون واسكان الصاد تخفيفا كتخفيف المرض عليه بالفرج، وهو المشهور عن نافع.

{ وعَذابٍ } ألم وهو المراد بالضر فى الآية الأخرى، وقيل: النصب والضر فى البدن، والعذاب فى المال والأهل ، وانما قال: { أني مسَّني الشيطان بنُصْب وعذاب } وهذا المس عبارة عن فعل الشيطان، أثنى الله على أيوب الى ملائكته فقال الشيطان إبليس: لو ابتليته لم يصبر، فسلطه الله عليه، فنفخ اليه من تحت موضع سجوده، أو أمر ابليس من ينفخ فمرض المرض المشهور، وتلف أهله وماله، وذلك غير بعيد، وأما ما يذكر فى القرآن العظيم أنه لا يقدر الا على الوسوسة، فمعناه اذا لم يقدره الله على غيرها، فاذا أقدره على غيرها كان، وقيل: مس الشيطان وسوسته اليه أن يدعو بمرض يصبر له، وعرف أن ذلك من الشيطان متألم بذلك، وتألمه هو النصب والعذاب، ولم يطاوعه لأنه لا يجوز أن يدعو على نفسه بالمرض، ولو على وجه الصبر والثواب، ولا مرض فى هذا الوجه.

وقيل: استغاثه رجل على ظالم فلم يغثه، فأصابه مرض ولا يصح هذا، وانما قال مسنى الشيطان، لأن الشيطان وسوس له بترك الاغاثة فلعله وسوس له بتركها ولم يطاوعه، فشكا الى الله بهذه الوسوسة المؤلمة له، وهلك من قال: انه أصابه المرض لتركه غزو كافر مداهنة له، اذ كانت مواشبه فى ناحيته، وقيل: وسوس اليه كثرة ماله وولده فأعجبه ذلك، ولا تظهر صحته، وقيل: النصب والعذاب مشقة مدافعة وسواس الشيطان فى مرضه، بأن يجزع ويسخط ويقنط من الشفاء.

وقيل هما ما أصابه من الكراهة اذ قالت له امرأته: ان طبيبا عرض على أن يداويك فتشفى فتقول انه شفاك، وقيل: عن أن تذبح له، وعلم أن ذلك من الشيطان، وقيل ارتداد أحد ثلاثة كانوا يعدونه قائلا: لو كان نبيا لم يصبه الله بهذا المرض، وقيل: قول نفر من بنى اسرائيل مروا عليه: انه لم يصبه هذا الا بذنب.