الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ }

{ وشَدَدَْنا مُلْكه } قويناه بالهيبة والجنود، ومزيد النعمة، وقيل بالهيبة والنصر، ويقال: يحرسه كل يوم وليلة أربعة آلاف، ويقال يحرسه حول محرابه أربعون ألف رجل لابس لأمة الحرب، والله يعلم هل صح ذلك، والله أن يفعل ما يشاء، وفى الطبرى عن ابن عباس: ادعى رجل بقرة على آخر عنده فقال: قوما أنظر فى أمركما، فقيل له: فى المنام أقتل المدعى عليه، وقال بعد يقظة لا أعجل للرؤيا، وكذا فى الثانية، وقيل له فى الثالثة: إن لم تقتله ينزل عليك عقاب، فأحضره للقتل، فقال: أبلا بيِّنة قال: أمرنى ربى، فقال: أخبرك أنى ما أخذت بالبقرة، بل بأنى قتلت أبا المدعى غيلة فقتله فعظمت هيبته بذلك.

{ وآتيناهُ الحِكْمَة } الزبور والتوراة والنبوة، وكمال العلم والعمل، وموافقة الحق { وفَصْل الخِطَاب } أى فصل الخصام بتمييز الحق، وسمى الخصام خطابا لاشتماله عليه، أو لأنه أحد أنواعه خص به، لأنه المحتاج للفصل، والاضافة اضافة مصدر لمفعوله، أو فصل الخطاب الكلام الذى يفصل به بين ما صح وما فسد فى الحكم بين الناس، وأمر الدنيا أو بمعنى المفصول وهو المقصود، أو فصل الخطاب الكلام المتوسط لا اخلال ولا املال.

كما ورد أن كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا نزر ولا هدر، والفصل بمعنى الفاصل أو المقصود عند السامع المبين عنده، والاضافة اضافة صفة لموصوفها، ودخل فى فصل الخطاب قول داود عليه السلام: " البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه " ولمن قوته فى الحكم أن أحدا شكا اليه جاره أنه سرق وزة، فخطب وقال: إن منكم من يحضر الخطبة وعلى رأسه ريشة، فوضع السارق يده على رأسه خوف أن تكون عليه ريشة، فقال لصاحب الوزة هو السارق.

ومثله إياس بن معاوية إذ شكا اليه رجل آخر أنه انكر وديعة له، فقال له: من يشهد لك؟ قال: لا شاهد، قال: فى أى موضع أودعته؟ قال عند شجرة، قال: فاذهب اليها لعلك تذكر ما نسيت، ثم قال للمنكر: هل بلغ موضع الشجرة؟ قال: لا، قال إياس لمدعيه: قد أقر لك المنكر فخذه.

ومثله ما روى: أن رجلا ادعى أنه أسلم لرجل عشرة دناينر فأنكر، فقال القاضى: فى أى موضع؟ فقال: فى مسجد من مساجد الكرخ، فقال: اذهب وأتنى بورقة من ذلك المسجد تحلفه بها، فمضى، ثم قال للمنكر: أظننت أنه المسجد؟ قال: لا، قال القاضى للمدعى: خذه فقد أقر لك.

وقوله: أما بعد، فان أبا موسى الأشعرى قال: هو أول من قالها، فإما أن يتكلم بهذا اللفظ العربى ولو كان عليه السلام عجميا، وأما أن ينطق بمعناه فى لغته، فان فى لغة العجم ما فى لغة العرب من الفصل والوصل والإضمار والإظهار، والعطف والاستئناف والحصر والحذف والتكرار، وغير ذلك بألفاظ تؤديها كأنها حكاية للعربية الا أن العربية أفصح وأبلغ وأحلى.