الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ } * { ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ }

{ أتَدْعون } تعبدون أو تسألون حوائجكم { بعْلا } صنما طوله عشرون ذراعا من ذهب، له أربعة أوجه، عظموه وجعلوا له أربعمائة خادم، وسموهم أنبياء له،يكلمهم إبليس من جوفه بأمور الضلال، فيحفظونها ويبلغونها الناس، وهو لفظ عربى، ولذلك صرف مع العلمية، بل يجوز صرفه ولو عجميا، لأنه ثلاثى ساكن، وقيل: اسم امرأة تأتيهم بضلال، كما قرىء بعلاء كحمراء، وصرف على هذا لأنه ثلاثى ساكن الوسط، وقال عكرمة وقتادة: البعل الرب بلغة اليمن، وعن قتادة، بلغة أزد سنوءة، فهو علم منقول من اسم نكرة، وقيل: باق على التنكير، بمعنى أتدعون ربا من الأرباب، وهم يسمون أصنامهم ومعبوداتهم أربابا، وبعلبك بالشام، وموضع الصنم بك، وأضيف اليه بعل وركبا.

{ وتَذرون } تتركون { أحْسَن الخالقين } عبادة أحسن الخالقين أو سؤاله حاجاتكم، والخالقين بمعنى المقدرين، ومن كلام فيه، ولم يقل وتدعون أحسن بفتح الدال بمعنى تتركون، ومع مناسبته لتدعون بعلا بإسكان الدال، ومجانسته له لأن فى هذه المجانسة قيل تكلفا، وانما يحسن منها ما أتى عفوا، وهذا بظاهره كلام كفر لأنه لا يعجز الله عن شىء فضلا عن أن يتكلفه، ولعل قائله أراد أن حمل الكلام عليه تكلف، وقيل لم يجنس لئلا يقرأهما من لا يعرف ضبط واحد أو يعكس، لأن المصاحف كانت غير مضبوطة ولا منقوطة، ويرده إن هذا لا يعتبر، كما لم يعتبر فتركوه بلا ضبط ولا نقط أولا.

وقيل: لأن التجنيس فى مقام الرضا ويرده وقوعه فى قوله تعالى:ويوم تقوم الساعة يقسم } [الروم: 55] وقوله تعالى:يكاد سنا برقه } الخ مع أنهما فى غير الرضا، وقيل لأنهم اتخذوا الأصنام آلهة، وتركوا الله مع علمهم بأنه عز وجل ربهم، ويرده أنالا نسلم أن تدع بمعنى تترك مختص بالترك قبل العلم، وتذر بالترك بعده، وقيل: لأن لانكار كل من دعا، وإنكار ترك أحسن الخالقين علة غير علة الأخر، فترك التجنيس لتغاير العلتين، علة الأول أنه لا قدرة لبعل، والثانى أن الله قادر على كل شىء، وقيل: لأنه لا مجانسة بين واجب الوجود وبعل، وقيل لأن يدع بفتح الدال فيما لا يذم تاركه، لأنه من معنى الدعة أى الراحة، بخلاف يذر، ويرده قوله تعالى:وذروا ما بقي من الربا } [البقرة: 287] وقوله:فذرهم وما يفترون } [الأنعام: 112، 137] وهما فيما لا يذم تركه.

وقيل: لأن يدع فى ترك الشىء مع اعتناء به، كايداع الأمانة، ويذر فى الترك مطلقا، وقيل: لأن فى يدع بالفتح ثقلا لاجتماع حرف الحلق مع الفتح، والحق الاعتناء بعبادة من هو أحسن الخالقين، ومن هو رب الأولين والآخرين، كما قال عز وجل وتبارك وتعالى:

{ الله ربكُم ورب آبائكم الأوَّلين } تصريح ببطلان رأى آبائهم الذين قلدوا، والله ربكم مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة، وقد يوجه الاتصال بأن تجعل لفظ الجلالة خبر المحذوف، أى هو الله،أى أحسن الخالقين هو الله، فربكم عطف بيان، أو بدل من لفظ الجلالة.