الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ }

{ أو لَم يَروا } إذا لم نجعل الهمزة مما بعد العاطف قدرنا ألم يتفكروا أو ألم يلاحظوا، أو ألم يعلموا يقينا ولم يروا { أنَّا خَلقْنا لَهُم } اللام للنفع والتمليك، أو للتعليل والأول أولى { ممَّا عَملتْ أيْدينا } أحدثناه بلا توسط مخلوق فيه، وهو غير قليل كخلق الأرضين والعرش والكرسى، والسموات والملائكة، شبه الاحداث وكونه بالقدرة بصنع الصانع، وكونه صنعه باليد ففيه استعارة تمثيلية، أو كنى عن الإيجاد بعمل الأيدى فى شأن المخلوق كالانسان، ثم استعير عمل الأيدى الاستعارة التمثيلية.

وقيل العمل الاحداث وهو حقيقة، والأيدى القدرة مجازا وعليه فالجمع تعظيم لذلك الصنع العجيب، كما أن ضمير أيدينا للتعظيم، ولا قرينة قالية، ولا حالية، ولا عهدية، على إرادة الملائكة بالأيدى، على أن العمل بالواسطة كنفخهم الأرواح فى الأبدان، فضلا عن أن يستعار الأيدى لهم، وأبعد منه استعارة الأيدى لأسماء الله تعالى عملا بالواسطة لكل منها أثر اسم، ولا يوجد الأيدى بمعنى الملائكة، أو بمعنى الأسماء فى القرآن ولا فى الحديث، ولا فى كلام، واليد بمعنى القدرة أو المتكلم مثلا صحيح معنى ولغة وشرعا فيجب التفسير بذلك، فمن تركه وجعل ذلك من التشابه كفرار من الضوء الى الظلمة، ومن العلم الى الجهالة، وسواء فى ذلك الافرد: كيد الله فوق أيديهم، والتثنية: كخلقت بيدى، والجمع كالآية.

{ أنعاماً } ثمانية خصها بالذكر لكثرة منافعها، قيل وبدائع فطرتها، وفيه أن كل حيوان بديع الفطرة، وكذا غيره نعم، قال الله عز وجل:أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } [الغاشية: 17] وقع عظم الأنعام شأنا، أخرها بطريق الاهتمام بلهم وبما عملت، وللتشويق الى ذكر ما عملت أيدينا، وليتصل ذكرها بذكر ملكها وتذليلها، والركوب عليها والأكل منها والانتفاع بها والشرب منها { فَهُم لَها مالكون } عطف على خلقنا لهم إلخ، والفاء لمجرد التفريع ولا خفاء فيه، إذ لو لم يخلقها لم يملكوها، ولا يحتاج الى تقدير، وملكاها لهم فهم لها الخ، لأن هذا التقدير يغنى عنه قوله عز وجل: { أنا خلقنا لهم } وقيل: مالكون قادرون، والإعراب واحد، يقال: ملكت العجين إذا استعمل فيه قدرته، وأما قوله:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا   أملك رأس البعيران نفرا
فيحتمل أن المعنى ظاهره لأنه إن نفر فكأنه غير مالك له، ولو أمسكه لكان فى قبضته، وأن المعنى لا أستطيعه، والاستطاعة هنا كالقدرة، ولام لها للتقوية، وقد اختلف فى تعليقها، وقدم للفاصلة، وبطريق الاهتمام.