الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }

أى كل ما يقول لكم محمد صلى الله عليه وسلم من أمر الدين والبعث، والإخبار عن الأمم، والوعد والوعيد، على المسخ وغيره، هو حق من عندنا لا تهمة فيه، وليس منه، ولا هو شاعر فتتهموه كما تكذب الشعراء، ويهيمون فى كل واد حتى قيل فى شأن الشعر: أعذبه أكذبه، والشعر كلام موزون بوزن مخصوص قصدا، وما وافق الوزن فيه فليس، بشعر، لأن لم يقصد أن يقرأ كقراءة الشعر، والله عالم بأن ذلك البعض على وزن الشعر، والقرآن فى التوحيد وأمور الشريعة خاصة بخلاف الأشعار، فانها فى غير ذلك إلا ما شذ، وله صلى الله عليه وسلم براهين تقوية: منها بلاغة القرآن التى لا تطاق، وقد أدركت منها كثيرا بقدر طاقة المخلوق والحمد لله، وبعضها تتنور فى قلبى، ويعجز لسانى عن بيانها إلا باطالة كلام، وما اتزن منه يقرؤه صلى الله عليه وسلم كقراءة النثر كما نقرأه، وذلك مثل قول بعض:
يا صاحب المسح تبيع المسح   
قرأه كالنثر، وسمعه أبو العتاهية فقال:
فإن عندى إن أردت ربحا   
والرجز شعر فلا يقوله النبى صلى الله عليه وسلم، ولو كانوا يقولون فلان راجز، وقبلان شاعر، وإن قلنا ليس شعرا فلا يقدح به، ولو قراه بوزنه فكيف وهو لا يتمه، وقد قيل: إنه قال:
أنا النبى لا كذب   أنا ابن عبد المطلب
فنقول أنه قرأه نثراً، وقيل بوزنه، ولكن كسره لسانه بفتح باء كذب، أو ضمة مع تنوينه، وكسر باء المطلب مع أن هذا مجزوء، وهو ماحذف منه جزء، أعنى مستفلعن أربعا، والخليل يقول مجزوء الرجز ليس شعرا وكذا منهوكه، ومع ذلك قيل: ليس المراد أنه لا يقدر على أن يحكى شعر الغير، بل لا يقوله من نفسه، وقد روى أنه حكى بيت ابن رواحة:
يبيت يجافى جنبه عن فراشه   إذا استقلت بالكافرين المضاجع
كما هو أنشد كذلك:
ما أنت إلا أصبع دميت   وفى سبيل الله ما لقيت
وقول ابن رواحة قال:
ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا   ويأتيك من لم تزود بالأخبار
وإنَّما هو:
ويأتيك بالأخبار من لم تزود   
وقال:
كفى بالإسلام والشيب ناهيا   
وإنَّما هو:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا   
وقال:
أتجعل نهبى ونهب العبيد   بين الأقرع وعيينه
وإنما هو بين عيينة والأفرع وقال:
ألم تريانى كلما جئت زائرا   وجدت بها وإن لم تطيب طيبا
إنما هو:
بها طيبا وإن لم تطيب   
كل ذلك أشعار لغيره يقرؤها على وزنها، لا كالنثر لكن يكسرها، ويقول الصديق: إذا كسر إنما قال صاحبه كذا أو يقول والله ما أنت شاعر ولا راوية، وعن عائشة ما أتم بيتا إلا قول بعض:
تفاءل بما تهوى يكن فلقلما   يقال لشىء كان إلا تحققا
وعليه فانما قال: وما لقيت فى سبيل الله، وعن عائشة: أبغض الكلام الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر، أى الإكثار منه، وما كان منه فى حرام، وعن الخليل: كان الشعر أحب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام، أى ما كان منه فيه حكمة أو أمر شرعى، وقوله: إن هو إلخ معناه ما الكلام الذى يقوله محمد صلى الله عليه وسلم، وتنسبونه الى السحر والكذب والشعر، إلا ذكر أى عظة وقرآن، أى شىء سماوى يقرأ ظاهر أنه من الله عز وجل وأنه حق:

السابقالتالي
2