الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

{ اليَوم نَخْتِم عَلى أفْواهِهم } نغطيها ونشد عليها، كما يربط فم القربة، وفيهم قدرة على الكلام، ولا يجدونه لذلك الشد، وذلك حقيقة أو كناية عن إخراصهم، أو استعير الختم للإخراص استعارة أصلية،واشتق منه نختم على طريق التبعية، وفى ذلك إعراض عن خطابهم، لقبح أعمالهم الى التكلم لغيرهم { وتكلِّمنا أيْديهِم وتَشْهد أرجُلُهم بما كانُوا يكسبُون } تنازع تكلم وتشهد، وأعمل الثانى وحذف للأول المضمر الفضلة، أى وتكلمنا أيديهم به، أى بما كانوا إلخ، ولو أعمل الأول لقيل وتشهد أرجلهم به بما كانوا الخ، وهاء به فى الموضعين لما، ونسب التكلم الى الأيدى لأن أكثر الأعمال بها، وقد قال الله جل وعلا:ما قدمت يداه } [الكهف: 57، النبأ: 40]مما عملت أيدينا } [يس: 71]بما كسبت أيدي الناس } [الروم: 41]فبما كسبت أيديكم } [الشورى: 30] " بما كسبت أيديهم "بما قدمت أيديهم } [البقرة: 95].

جاء فى أحاديث ما حاصله: " أن الكافر ينكر ما فعل، وينسب الملك الكاتب الى الكذب عليه،وقد قال الله عز وجل له: ألم أكرمك؟ فيقول: بلى لكن عملت بما أمرت به ويثنى بخير، فيقول الملك: عملت كذا فى موضع كذا وقت كذا، وهكذا فيقول: يا رب ألم تجرنى من الظلم، يا رب لا أقبل شاهدا إلا من نفسى، فيقول الله تعالى: { كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } وبالملائكة الكرام، فيختم على فمه فتنطق جوارحه، ثم يخلى فيقول: بعداً لكن فعنكن كنت أناضل ".

وجاء الحديث: عن أبى هريرة وهو فى مسلم مرفوعا: " أول ما ينطق من جوارحه فخذه اليمنى " وفى مسند أحمد، عن عقبة بن عامر مرفوعا أيضا: " أن أول ما ينطق منها فخذه اليسرى " ولعل بعضا تنطق يمناه، وبعضا يسراه أو بعض تنطق يمناه أولا وبعض يسراه، أو فكلتاهما ناطقة من كل انسان، وحصر الأولوية بالنسبة الى غير الأفخاد والنطق حقيقة، يخلق الله فى الاعطاء الحياة والعقل:أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } [فصلت: 21] والعضو ينطق بما فعل، وبما فعل غيره من الأعضاء، وقيل: بما فعل، وهذا أظهر، لأن كل عضو ينطق بما فعل فما فائدة نطق غيره، والأول أبلغ.

وفى حديث مسلم، عن أنس مرفوعا: " أنه يقال لأركانه انطقى، فتنطق بأعماله " والآية ونحوها كالأحاديث كالنص فى أن المشرك مخاطب بفروع الشريعة، وبأن هذه الأعضاء هى التى كانت فى الدنيا إذ كانت تنطق بما فعلت لا غيرها مثلها، ولا الجسد غير الذى فى الدنيا، بل الذى فيها، وهل علمها بما تنطق به محدث فى الموقف، قيل: نعم، وقيل: علمت به فى الدنيا، وهى فى الدنيا عاقلة ولا تنساه وإن نسيته رده الله تعالى اليها، فتشهد به كما قيل: ان الأشياء كلها حتى أعضاء المشرك تسبح الله عز وجل فى الدنيا، والمراد فى الآية التمثيل لما ينطق من الجوارح لا خصوص الأيدى والأرجل بدليل الأحاديث.