الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ }

{ والقَمَر قدَّرناه منازل } أى صيرنا محل سيرة بتقدير مضافين، ومنازل مفعول به ثان لقدر بمعنى صير، أو يقدر مضاف قبل منازل أى قدرناه ذا منازل، ويجوز أن يكون متعديا لواحد هو منازل، والهاء على تقدير اللام، أى قدرنا له، وقيل هو الهاء على حذف مضاف، ومنازل ظرف أى قدرنا سيره فى منازل، أو قدرنا نوره فى منازل، فيزيد مقدار النور فى كل يوم، ثم ينقص كذلك، لأن نوره من نور الشمس، بدليل اختلاف تشكلاته بالقرب والبعد منها، وخسوف بحلولية الأرض بينهما اذا حاد مجراه، ولا ينبغى أن يختف فى ذلك.

ومنازله ثمانية وعشرون، والمنزل عبارة عما يقطعه القمر فى يوم وليلة، وذلك أنه يختفى ليلتين من أخر الشهر، أو أقل أو أكثر لمزيد قربه من الشمس، ولا يختفى أكثر من ثلاث ليال: ليلة قدامها، وليلة تحتها تقريبا، وليلة خلفها وذلك تقريب فأسقطوا يومين وذلك عند العرب وسكان البدو، وذلك ليضبطوا أحوال الرعى والانتقال الى المراعى وسائر مصالحهم، ويبقى ثمانية وعشرون، وقسموا دور الفلك عليه فكان كل قسم اثنتى عشرة درجة، واحدى وخمسين دقيقة تقريبا، وهو أسباع درجة، ونصيب كل برج منه منزلتان وثلث، والمنازل عند أهل هند سبعة وعشرون، لأن القمر يقطع فلك البروج فى سبعة وعشرين يوما وثلث يوم، فحذفوا الثلث لأنه أقل من النصف.

والشمس تستر دائما ثلاث منازل ما هى فيه بشعاعها، وما قبلها بضياء الفجر، وما بعدها بضياء الشمس، ورصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر، ثم شعاعها، ثم بضياء الشفق، فوجدوا الزمان بين كل ظهورى منزلتين ثلاثة عشر يوما تقريبا، فأيام جميع المنازل تكون ثلاثمائة وأربعة وستين، لكن الشمس تقطعها فى ثلاثمائة وخمسة وستين، وزادوا ذلك اليوم فى القفر اصطلاحا، أو لشرفه، وقد يحتاج إلى زيادة يومين ليكون انقضاء الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة، ويرجع الأمر الى النجم الأول، وليس القمر أو الشمس يحادى المنزل، ولا بد فإنه قد كون قبله بقليل أو بعده، وإنما أرادوا الضبط، وليس كل منزل نجما واحدا، بل بعضها نجم، وبعضها اثنان، وبعضها ثلاثة، وأكثر فالثريا ستة أنجم، وقيل خمسة، وقد قيل بالآلة أكثر من ثلاثين نجما فيها، وبعض المنازل غير نجم، وهو البلدة فإنها قطعة من السماء لا نجم فيها مستديرة.

ولا يخفى أن الشهر ثلاثون أو تسعة وعشرون بحسب الرؤية، والشرع جاء على هذا لا غير، وأما أهل الميقات فقالوا الشهر الأول ثلاثون، والثانى تسعة وعشرون، والثالث ثلاثون، وهكذا فالشهر الأخير تسعة وعشرون، وأيام السنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً بسيطة، وثلاثمائة وخمسة وخمسون كبيسة، والشهر الأخير منها ثلاثون، ويسمى هذا الحساب الحساب الوسطى، والشمس والقمر يجتمعان فى آخر كل شهر عربى فى منزل واحد، ودرجة واحدة، وهو يوم ثمانية وعشرين إن كان سير الشمس بطيئا أو يوم تسعة وعشرين إن كان سريعا، ثم إن كان البعد بينهما اثنتى عشرة درجة أو أكثر رؤى الهلال، وإن كان أقل لم ير مثل أن يجتمعا فى درجة واحدة، نهار ثمانية وعشرين، أو تسعة وعشرين عند غروب الشمس.

السابقالتالي
2